إلا بإقرار الرسول، فالرسول في حياته كانت في يده وحدة السلطة التشريعية، وما صدر عن غيره لم يكن تشريعا إلا بإقراره، ولهذا لم يوجد في عهد الرسول رأيان في واقعة ولم يعرف أحد من الصحابة في عهده بالفتيا أو الاجتهاد.
مصادر للتشريع في هذا العهد:
كان للتشريع في عهد الرسول مصدران: الوحي الإلهي، واجتهاد الرسول نفسه، فإذا طرأ ما يقتضي تشريعا من خصومة أو واقعة أو سؤال أو استفتاء أوحى الله إلى رسوله بآية أو آيات فيها حكم ما أري معرفة حكمه، وبلغ الرسول المسلمين ما أوحي إليه وكان قانونا واجبا اتباعه، وإذا طرأ ما يقتضي تشريعا، ولم يوح الله إلى الرسول بآيات تبين الحكم اجتهد الرسول في تعرفه الحكم، وما أداه إليه اجتهاده قضى به أو أفتى أو أجاب عن السؤال أو الاستفتاء، وكان ما صدر عن اجتهاده قانونا واجبا اتباعه مع قانون الوحي الإلهي، ومن تتبع آيات الأحكام التي وردت في القرآن، وما رواه المفسرون من سبب نزول كل آية منها يتبين أن كل حكم قرآني إنما شرع لحادث اقتضى تشريعه، ويتجلى ذلك في مثل قوله سبحانه:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ، وفي مثل الخصومة التي وقعت في بعض التركات ومن أجلها شرعت أحكام الإرث، والحيرة التي أصابت بعض الأزواج لما شرع حد القذف، ومن أجلها شرع حكم اللعان بين الزوجين وفي غير ذلك من أسباب النزول.
ومن تتبع أحاديث الأحكام وما رواه المحدثون من أسباب ورودها يتبين أيضا أن كل حكم للرسول باجتهاده كان قضاء في خصومة أي فتوى في واقعة أو جوابا عن سؤال، مثل ما روي أن بعض الصحابة قالوا: يا رسول الله إنا نركب البحر، وليس معنا من الماء العذب ما يكفي للوضوء أفنتوضأ بماء البحر؟ قال الرسول:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته". وغير ذلك من وقائع الأحاديث.
فكل ما شرع من الأحكام في عهد الرسول كان مصدره الوحي الإلهي أو الاجتهاد النبوي، وكان صدوره بناء على طروء حاجة تشريعية اقتضته.
وكانت وظيفة الرسول بالنسبة لما شرع بالمصدر الأول تبليغه، وتبيينه تنفيذًا لقول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ولقوله عز شأنه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وكان ما صدر