للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدقيقة المحددة. وإذا كان الموضوع تسفيها لعبادة الأوثان، أو بيانا لفيضان الطوفان أو استدلالا على قدرة الله، أو تذكيرا بنعمه على عباده، أو تخويفا بشدائد اليوم الآخر، فهذه فيها مجال للأسلوب الخطابي المؤثر المحرك للوجدان فاستعمال الألفاظ المحددة حيث يقتضي المقام الأسلوب الخطابي ليس من البلاغة؛ لأن البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ولكل مقام مقال. وما يوجد من تعارض ظاهري بين ما دلت عليه بعض الآيات، وما دلت عليه أخرى فقد بين المفسرون أنه ليس تعارضًا إلا فيما يظهر لغير المتأمل، وعند التمل يتبين أنه لا تعارض، ومن أمثلة هذا قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} مع قوله سبحانه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} . وقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} ، مع الآيات الدالة على أن الله لا يأمر بالسوء والفحشاء، فكل ما ظاهره التعارض من آيات القرآن فهو بعد البحث متفق متسق لا اختلاف فيه، ولو كان من عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

وثانيا: انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية:

القرآن أنزله الله على رسوله ليكون حجة له ودستورا للناس، ليس من مقاصده الأصلية أن يقرر نظريات علمية في خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وحركات الكواكب وغيرها من الكائنات، ولكنه في مقام الاستدلال على وجود الله ووحدانيته، وتذكير الناس بآلائه ونعمه، ونحو هذا من الأغراض، جاء بآيات تفهم منها سنن كونية ونواميس طبيعية كشف العلم الحديث في كل عصر براهينها، ودل على أن الآيات التي لفتت إليها من عند الله؛ لأن الناس ما كان لهم بها من علم وما وصلوا إلى حقائقها، وإنما كان استدلالهم بظواهرها، فكلما كشف البحث العلمي سنة كونية وظهر أن آية في القرآن أشارت إلى هذه السنة قام برهان جديد على أن القرآن من عند الله. وإلى هذا الوجه من وجوده الإعجاز أرشد الله سبحانه وتعالى بقوله في سورة فصلت: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .

<<  <   >  >>