للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة النمل في مقام الاستدلال على قدرته ولفت النظر إلى آثاره: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} . وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} ، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} . وقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} ، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ١. وبعض الباحثين لا يرتضون الاتجاه إلى تفسير آيات القرآن بما يقرره العلم من نظريات ونواميس. وحجتهم أن آيات القرآن لها مدلولات ثابتة مستقرة لا تتبدل والنظريات العلمية قد تتغير وتتبدل، وقد يكشف البحث الجديد خطأ نظرية قديمة. ولكني لا أرى هذا الرأي؛ لأن تفسير آية قرآنية بما كشفه العلم من سنن كونية ما هو إلا فهم للآية بوجه من وجوه الأدلة على ضوء العلم. وليس معنى هذا أن الآية لا تفهم إلا بهذا الوجه من الوجوه، فإذا ظهر خطأ النظرية ظهر خطأ فهم الآية على ذلك الوجه لا خطأ الآية نفسها، كما يفهم حكم من آية، ويتبين خطأ فهمه بظهور دليل على هذا الخطأ.

وثالثها: إخباره بوقائع لا يعلمها إلا علام الغيوب:

أخبر القرآن عن وقوع حوادث في المستقبل لا علم لأحد من الناس بها، كقوله تعالى: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} . وقوله سبحانه: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .

وقص القرآن قصص أمم بائدة ليست بها آثار ولا معالم تدل على أخبارها وهذا دليل على أنه من عند الله الذي لا تخفى عليه خافية في الحاضر والماضي والمستقبل، وإلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز أرشد الله سبحانه بقوله: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} .


١ ألف الصدر الأعظم الغازي أحمد مختار باشا القوميسير العثماني العالي في مصر سابقا كتابا سماه "سرائر القرآن في تكوين وفناء وإعادة الأكوان" تضمن تسعين آية قرآنية مطبقة على العلم تطبيقا دقيقا، وقد نقل هذا الكتاب عن التركية السيد محب الدين الخطي وطبعه مصدرا برسالة للأمير شكيب أرسلان قال فيها: إن هذا الكتاب لم يخدم القرآن بمثله إلى اليوم.

<<  <   >  >>