ليس في القرآن لفظ ينبو عن السمع أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده. وعباراته في مطابقتها لمقتضى الأحوال في أعلى مستوى بلاغي، ويتجلى هذا لمن له ذوق عربي في تشبيهاته وأمثاله وحججه ومجادلاته، وفي إثباته للعقائد الحقة وإفحامه للمبطلين وفي كل معنى عبر وهدف رمى إليه، وحسبنا برهانًا على هذا شهادة الخبراء من أعدائه، واعتراف أهل البيان والبلاغة من خصومه.
والإمامان الزمخشري في تفسيره "الكشاف" وعبد القاهر في كتابيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" تكفلا ببيان كثير من وجوه الفصاحة والبلاغة في آيات القرآن، وأما قوة تأثيره في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب، فهذا يشعر به كل منصف ذي وجدان، وحسبنا برهانًا على هذا أنه لا يمل سماعه ولا تبلى جدته، وقد قال الوليد بن المغيرة وهو ألد أعداء الرسول:"إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر". والحق ما شهدت به الأعداء١.
أنواع أحكامه:
أنواع الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم ثلاثة:
الأول: أحكام اعتقادية تتعلق بما يجب على المكلف اعتقاده في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
والثاني: أحكام خلقية، تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفضائل، وأن يتخلى عنه من الرذائل.
والثالث: أحكام عملية، تتعلق بما يصدر عن الملكف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات. وهذا النوع الثالث هو فقه القرآن، وهو المقصود الوصول إليه بعلم أصول الفقه.
١ من أراد المزيد من بحوث إعجاز القرآن فليقرأ كتاب إعجاز القرآن للمرحوم مصطفى صادق الرافعي الذي قدمه المرحوم سعد زغلول باشا بمقدمة وصفه فيها بقوله: كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم.