وهؤلاء يوازنون بين ما روي عن أئمتهم من الروايات المختلفة، ويرجحون بعضها على بعض من جهة الرواية أو من جهة الدراية فيقولون: هذا أصح رواية أو هذا أولى النقول بالقول، أو هذا أوفق للقياس أو أرفق بالناس. ومن هؤلاء: القدودي، وصاحب الهداية، وأضرابهما من علماء الحنفية.
الطبقة الخامسة: أهل التقليد المحض
ولكنهم يميزون بين النوادر وظاهر الرواية، بين القوي من الأدلة والضعيف، ومن هؤلاء أصحاب المتون المشهورة المعتبرة في مذهب أبي حنيفة، كصاحب الكنز والوقاية.
أسباب الخمود التشريعي:
فمن هذا يؤخذ أن جهود العلماء التشريعية في هذا العهد اتجهت إلى أقوال الأئمة وأحكامهم، وأنهم بدل أن ينظروا في النصوص الشرعية وتعليلها، والتوفيق بين مظاهر التعارض منها، واستنباط الأحكام منها، قصروا نظرهم على أقوال الأئمة وتعليلها والترجيح بين المتعارضات منها، وبعد أن كان المسلمون في العهد السابق فيهم عامة يقلدون، وأئمة يقلدون صاروا كلهم في العهد مقلدين، ونسي العلماء ما قاله أبو حنيفة فيمن سبقه، من الفقهاء: هم رجال ونحن رجال. وما قاله مالك بن أنس: ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم. وقول الشافعي:"إذا صح الحديث فهو مذهبي".