للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بوادر النشاط التشريعي الحديث:

في أواخر القرن الهجري الثالث عشر جمعت الحكومة العثمانية طائفة من كبار علمائها، وكلفتهم وضع قانون في المعاملات المدنية تكون مآخذه الفقه الإسلامي، ولو من غير المذاهب المعروفة متى كان الحكم المأخوذ يتمشى وروح العصر. وقد اجتمع هؤلاء العلماء وسنوا القانون الذي سمي مجلة الأحكام العدلية في سنة ١٢٨٦هـ، وصدر الأمر بالعمل به في سنة ١٢٩٢هجرية، وأخذوا فيه أحكام البيع بالشرط من مذهب ابن شبرمة وهذه أول ثغرة في خط التقليد المحض للمذاهب الأربعة. وفي مصر لما كثرت شكاوي الناس من التزام الحكم بمذهب أبي حنيفة في أحكام المحاكم الشرعية، خطت الحكومة المصرية في سنة ١٩٢٠ أولى الخطوات لتلافي هذه الشكاوي، وأصدرت القانون رقم ٥٢ لسنة ١٩٢٠ الذي اشتمل على بعض أحكام في الأحوال الشخصية تخالف مذهب أبي حنيفة، ولكنها لم تخرج عن مذاهب الأئمة الأربعة. وفي سنة ١٩٢٩م: خطت خطوة ثانية أبعد مدى من الأولى أكثر توفيقا، وأصدرت القانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ الذي اشتمل على بعض أحكام في الأحوال الشخصية تخالف مذهب أبي حنيفة، ومذاهب سائر الأئمة الأربعة، ولكنها لم تخرج عن المذاهب الإسلامية. وفي سنة ١٩٣٦م: خطت خطوة ثالثة وكونت جماعة من كبار علماء الشرع والقانون، وكلفتهم وضع قانون شامل لأحكام الأحوال الشخصية وما يتفرع منها، والوقف، والمواريث، والوصية، وغيرها مما يدخل في اختصاص المحاكم الشرعية والمجالس الحسبية. على ألا تتقيد بمذهب دون مذهب بل تأخذ من آراء الفقهاء أكثرها ملاءمة لمصالح الناس والتطور الاجتماعي، وقد أتمت هذه الجماعة وضع مشروعات قانون المواريث، وقانون الوصية، وقانون الوقف، وصدرت فعلا هذه القوانين وصارت من قوانين الدولة المعمول بها الآن. وعسى أن نخطو الخطوة الرابعة، ونأخذ في سنن القوانين الشرعية التي تحقق مصالح الناس، وتساير روح العصر وتطوراته، بما لا يخالف نصا في القرآن والسنة الصحيحة، ولو لم تكن مأخوذة من مذاهب السابقين. وبهذا يبعث النشاط التشريعي الإسلامي من مرقده، ويحيا الفقه الإسلامي بالتطبيق العملي والدراسة المقارنة، وما ذلك على الله تعزيز.

وكما بدأنا بحمد الله نختم بحمد الله

<<  <   >  >>