للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الله حكم ما نزل بهم رجعوا إلى سنة رسول الله. فأبو بكر كان إذا لم يحفظ في الواقعة سنة خرج فسأل المسلمين: "فهل فيكم من يحفظ في هذا الأمر سنة عن نبينا؟ " وكذلك كان يفعل عمر وغيره ممن تصدى للفتيا والقضاء من الصحابة، ومن سلك سبيلهم من تابعيهم وتابعي تابعيهم بحيث لم يعلم أن أحدا منهم يعتد به خالف في أن سنة رسول الله إذا صح نقلها وجب اتباعها.

وثالثها: أن القرآن فرض الله فيه على الناس عدة فرائض مجملة غير مبينة، لم تفصل في القرآن أحكامها ولا كيفية أدائها، فقال تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ، ولم يبين كيف تقام الصلاة وتؤتى الزكاة ويؤدى الصوم والحج، وقد بين الرسول هذا الإجمال بسننه القولية والعملية؛ لأن الله سبحانه منحه سلطة هذا التبيين بقوله عز شأنه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} .

فلو لم تكن هذه السنن البيانية حجة على المسلمين، وقانونا واجبا اتباعه ما أمكن تنفيذ فرائض القرآن ولا اتباع أحكامه، وهذه السنن البيانية إنما وجب اتباعها من جهة أنها صادرة عن الرسول، ورويت عنه بطريق يفيد القطع بورودها عنه أو الظن الراجح بورودها، فكل سنة تشريعية صح صدورها عن الرسول فهي حجة واجبة الاتباع، سواء كانت مبينة حكما في القرآن أم منشئة حكما سكت عنه القرآن؛ لأنها كلها مصدرها المعصوم الذي منحه الله سلطة التبيين والتشريع.

نسبتها إلى القرآن:

أما نسبة السنة إلى القرآن، من جهة الاحتجاج بها والرجوع إليها لاستنباط الأحكام الشرعية، فهي المرتبة التالية له بحيث إن المجتهد لا يرجع إلى السنة للبحث عن واقعة إلا إذا لم يجد في القرآن حكم ما أراد معرفة حكمه؛ لأن القرآن أصل التشريع ومصدره الأول، فإذا نص على حكم اتبع، وإذا لم ينص على حكم الواقعة رجع إلى السنة، فإن وجد فيها حكمه اتبع.

وأما نسبة السنة إل القرآن من جهة ما ورد فيها من الأحكام، فإنها لا تعدو واحدا من ثلاثة:

١- إما أن تكون سنة مقررة ومؤكدة حكما جاء في القرآن. فيكون الحكم له مصدران وعليه دليلان: دليل مثبت من أي القرآن، ودليل مؤيد من سنة

<<  <   >  >>