الرسول، ومن هذه الأحكام الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والنهي عن الشرك بالله، وشهادة الزور وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير الحق، وغير ذلك من المأمورات، والمنهيات التي دلت عليها آيات القرآن، وأيدتها سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقام الدليل عليها منهما.
٢- وإما أن تكون سنة مفصلة ومفسرة ما جاء في القرآن مجملا، أو مقيدة ما جاء فيه مطلقا أو مخصصة ما جاء فيه عاما، فيكون هذا التفسير أو التقييد أو التخصيص الذي وردت به السنة تبيينًا للمراد من الذي جاء في القرآن؛ لأن الله سبحانه منح رسول الله حق التبيين لنصوص القرآن بقوله عز شأنه:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، ومن هذا السنن التي فصلت إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت؛ لأن القرآن أمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، ولم يفصل عدد ركعات الصلاة، ولا مقادير الزكاة، ولا مناسك الحج. والسنن العملية والقولية هي التي بينت هذا الإجمال، وكذلك أحل الله البيع وحرم الربا، والسنة هي التي بينت صحيح البيع وفاسده وأنواع الربا المحرم. والله حرم الميتة، والسنة هي التي بينت المراد منها ما عدا ميتة البحر. وغير ذلك من السنن التي بينت المراد من مجمل القرآن ومطلقه وعامه، وتعتبر مكملة له وملحقة به.
٣- وإما أن تكون سنة مثبتة ومنشئة حكما سكت عنه القرآن، فيكون هذا الحكم ثابتا بالسنة ولا يدل عليه نص في القرآن، ومن هذا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطيور. وتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب على الرجال، وما جاء في الحديث:"يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب". وغير ذلك من الأحكام التي شرعت بالسنة وحدها ومصدرها إلهام الله لرسوله، أو اجتهاد الرسول نفسه.
قال الإمام الشافعي في رسالته الأصولية: "لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- من ثلاثة وجوه، أحدها: ما أنزل الله عز وجل فيه نص كتاب، فسن رسول الله مثل ما نص الكتاب، والآخر: ما أنزل الله عز وجل فيه جملة فبين عن الله معنى ما أراد، والوجه الثالث: ما سن رسول الله مما ليس فيه نص كتاب.