للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ولفظ الأمر معناه الشأن وهو عام يشمل الأمر الديني، والأمر الدنيوي، وأولو الأمر الدنيوي هم الملوك والأمراء والولاة، وأولو الأمر الديني هم المجتهدون وأهل الفتيا، وقد فسر بعض المفسرين وعلى رأسهم ابن عباس أولي الأمر في هذه الآية بالعلماء، وفسرهم آخرون بالأمراء والولاة، والظاهر التفسير بما يشمل الجميع وبما يوجب طاعة كل فريق فيما هو من شأنه، فإذا أجمع أولو الأمر في التشريع وهم المجتهدون على حكم وجب اتباعه وتنفيذ حكمهم بنص القرآن، ولذا قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ، وتوعد سبحانه من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين، فقال عز شأنه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فجعل من يخالف سبيل المؤمنين قرين من يشاقق الرسول.

ثانيًا: أن الحكم الذي اتفقت عليه آراء جميع المجتهدين في الأمة الإسلامية هو في الحقيقة حكم الأمة ممثلة في مجتهديها، وقد وردت عدة أحاديث عن الرسول، وآثار عن الصحابة تدل على عصمة الأمة من الخطأ، منها قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على خطأ". وقوله: "لم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة". وقوله: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن". وذلك لأن اتفاق جميع هؤلاء المجتهدين على حكم واحد في الواقعة مع اختلاف أنظارهم والبيئات المحيطة بهم وتوافر عدة أسباب لاختلافهم دليل على أن وحدة الحق والصواب هي التي جمعت كلمتهم وغلبت عوامل اختلافهم.

ثالثًا: إن الإجماع على حكم شرعي لا بد أن يكون قد بني على مستند شرعي؛ لأن المجتهد الإسلامي له حدود لا يسوغ له أن يتعداها، وإذا لم يكن في اجتهاده نص فاجتهاده لا يتعدى تفهم النص، ومعرفة ما يدل عليه، وإذا لم يكن في الواقعة نص فاجتهاده لا يتعدى استنباط حكمه بواسطة قياسه على ما فيه نص، أو تطبيق قواعد الشريعة ومبادئها العامة، أو بالاستدلال بما أقامته الشريعة من دلائل كالاستحسان أو الاستصحاب. أو مراعاة العرف أو المصالح المرسلة. وإذا كان اجتهاد المجتهد لا بد أن يستند إلى دليل شرعي. فاتفاق المجتهدين جميعا على حكم واحد في الواقعة دليل على وجود مستند شرعي، يدل قطعا على هذا

<<  <   >  >>