للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم؛ لأنه لو كان ما استند إليه دليلا ظنيا لاستحال عادة أن يصدر عنه اتفاق؛ لأن الظني مجال حتما لاختلاف العقول.

وكما يكون الإجماع على حكم في واقعة يكون على تأويل نص أو تفسيره، وعلى تعليل حكم النص وبيان الوصف المنوط به.

إمكان انعقاده:

قالت طائفة من العلماء منهم النظام وبعض الشيعة: إن هذا الإجماع الذي تبينت أركانه لا يمكن انعقاده عادة؛ لأنه يتعذر تحقق أركانه. وذلك أنه لا يوجد مقياس يعرف به إذا كان الشخص بلغ مرتبة الاجتهاد أو لم يبلغها، ولا يوجد حكم يرجع إليه في الحكم بأن هذا مجتهد أو غير مجتهد. فمعرفة المجتهدين من غير المجتهدين متعذرة.

ولو فرض أن أشخاص المجتهدين في العالم الإسلامي وقت حدوث الواقعة معروفون، فالوقوف على آرائهم جميعا في الواقعة بطريق يفيد اليقين أو القريب منه متعذر؛ لأنهم متفرقون في قارات مختلفة، وفي بلاد متباعدة ومختلفو الجنسية والتبعية فلا يتيسر سبيل إلى جمعهم، وأخذ آرائهم مجتمعين ولا إلى نقل رأي كل واحد منهم بطريق يوثق به.

ولو فرض أن أشخاص المجتهدين عرفوا، وأمكن الوقوع على آرائهم بطريق يوثق به، فما الذي يكفل أن المجتهد الذي أبدى رأيه في الواقعة يبقى مصرا عليه حتى تؤخذ آراء الباقين؟ ما الذي يمنع أن تعرض له شبهة فيرجع عن رأيه قبل أخذ آراء الباقين؟ والشرط لانعقاد الإجماع أن يثبت اتفاق المجتهدين جميعا في وقت واحد على حكم واحد في واقعة.

ومما يؤيد أن الإجماع لا يمكن انعقاده؛ أنه لو انعقد كان لا بد مستندا إلى دليل؛ لأن المجتهد الشرعي لا بد أن يستند في اجتهاده إلى دليل، والدليل الذي يستند إليه المجمعون إن كان دليلا قطعيا فمن المستحيل عادة أن تخفى؛ لأن المسلمين لا يخفى عليهم دليل شرعي قطعي حتى يحتاجون معه إلى الرجوع إلى المجتهدين وإجماعهم. وإن كان دليلا ظنيا فمن المستحيل عادة: أن يصدر عن الدليل الظني إجماع؛ لأن الدليل الظني لا بد أن يكون مثارا للاختلاف.

<<  <   >  >>