للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نقل ابن حزم في كتابه "الأحكام" عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قوله: سمعت أبي يقول: "وما يدعي فيه الرجل الإجماع هو الكذب، من ادعى الإجماع فهو كذاب، لعل الناس قد اختلفوا -ما يدريه- ولم ينتبه إليه. فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا".

وذهب جمهور العلماء: إلى أن الإجماع يمكن انعقاده عادة، وقالوا: إن ما ذكره منكرو إمكانه لا يخرج عن أنه تشكيك في أمر واقع، وأن أظهر دليل على إمكانه انعقاده فعلا، وذكروا عدة أمثلة لما ثبت انعقاد الإجماع عليه مثل: خلافة أبي بكر، وتحريم شحم الخنزير، وتوريث الجدات السدس، وحجب ابن الابن من الإرث بالابن، وغير ذلك من أحكام جزئية وكلية.

والذي أراه الراجح أن الإجماع بتعريفه، وأركانه التي بيناها لا يمكن عادة انعقاده إذا وكل أمره إلى أفراد الأمم الإسلامية، وشعوبها، ويمكن انعقاده إذا تولت أمره الحكومات الإسلامية على اختلافها، فكل حكومة تستيطع أن تعين الشروط التي بتوافرها يبلغ الشخص مرتبة الاجتهاد، وأن تمنح الإجازة الاجتهادية لمن توافرت فيه هذه الشروط، وبهذا تستطيع كل حكومة أن تعرف مجتهديها آراءهم في أية واقعة. فإذا وقفت كل حكومة على آراء مجتهديها في واقعة، واتفقت آراء المجتهدين جميعهم في كل الحكومات الإسلامية على حكم واحد في هذه الواقعة، كان هذا إجماعا وكان الحكم المجمع عليه حكما شرعيا واجبا اتباعه على المسلمين جميعهم.

انعقاده فعلا:

هل انعقد الإجماع فعلا بهذا المعنى في عصر من العصور بعد وفاة الرسول؟ الجواب لا. ومن رجع إلى الوقائع التي حكم فيها الصحابة، واعتبر حكمهم فيها بالإجماع يتبين أنه ما وقع إجماع بهذا المعنى، وأن ما وقع إنما كان اتفاقا من الحاضرين، من أولي العلم والرأي على حكم في الحادثة المعروضة، فهو في الحقيقة: حكم صادر عن شورى الجماعة لا عن رأي الفرد.

فقد روى أن أبا بكر كان إذا ورد عليه الخصوم ولم يجد في كتاب الله، ولا في سنة رسوله ما يقضي بينهم، جع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن

<<  <   >  >>