للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجمعوا على رأي أمضاه، وكذلك كان يفعل عمر. ومما لا ريب فيه أن رءوس الناس وخيارهم الذين كان يجمعهم أبو بكر وقت عرض الخصومة ما كانوا جميع رءوس المسلمين وخيارهم؛ لأنه كان منهم عدد كثير في مكة والشام واليمن في ميادين الجهاد، وما ورد أن أبا بكر أجل الفصل في خصومة حتى يقف على رأي جميع مجتهدي الصحابة في مختلف البلدان، بل كان يمضي ما اتفق عليه الحاضرون؛ لأنهم جماعة، ورأي الجماعة أقرب إلى الحق من رأي الفرد. وكذلك كان يفعل عمر، وهذا ما سماه الفقهاء الإجماع، فهو في الحقيقة تشريع الجماعة لا الفرد. وهو ما وجد إلا في عصر الصحابة، وفي بعض عصور الأمويين بالأندلس، حين كونوا في القرن الثاني الهجري جماعة من العلماء، يستشارون في التشريع وكثيرا ما يذكر في ترجمة بعض علماء الأندلس أنه كان من علماء الشورى.

وأما بعد عهد الصحابة، فيما عدا هذه الفترة في الدولة الأموية بالأندلس فلم ينعقد إجماع، ولم يتحقق إجماع من أكثر المجتهدين لأجل تشريع، ولم يصدر التشريع عن الجماعة بل استقل كل فرد من المجتهدين باجتهاده في بلده وفي بيئته.

وكان التشريع فرديا لا شوريا، وقد تتوافق الآراء وقد تتناقض، وأقصى ما يستطيع الفقيه أن يقوله: لا يعلم في حكم هذه الواقعة خلاف.

أنواعه:

أما الإجماع من جهة كيفية حصوله فهو نوعان:

أحدهما: الإجماع الصريح: وهو أن يتفق مجتهدو العصر على حكم واقعة، بإبداء كل منهم رأيه صراحة بفتوى أو قضاء، أي أن كل مجتهد يصدر منه قول أو فعل يعبر بصراحة عن رأيه.

وثانيهما: الإجماع السكوتي: وهو أن يبدي بعض مجتهدي العصر رأيهم صراحة في الواقعة بفتوى أو قضاء، ويسكت باقيهم عن إبداء رأيهم فيها بموافقة ما أبدى فيها أو مخالفته.

أما النوع الأول وهو الإجماع الصريح فهو الإجماع الحقيقي، وهو حجة شرعية في مذهب الجمهور. وأما النوع الثاني وهو الإجماع السكوتي فهو إجماع

<<  <   >  >>