الصغيرة، ولم يدل نص ولا إجماع على علة ثبوت هذه الولاية فالمجتهد يردد العلية بين كونها بكرا وكونها صغيرة، ويستبعد البكارة؛ لأن الشارع ما اعتبرها للتعليل بنوع من أنواع الاعتبار، ويستبقي الصغر؛ لأن الشارع اعتبره علة للولاية على المال، وهي والولاية على التزويج من جنس واحد، فيحكم بأن العلة الصغر ويقيس على البكر الصغيرة الثيب الصغيرة بجامع الصغر، وكذا ورد النص بتحريم شرب الخمر ولم يدل نص على علة الحكم، فالمجتهد يردد العلية بين كونه من العنب أو كونه سائلًا أو كونه مسكرا، ويستبعد الوصف الأول؛ لأنه قاصر والثاني؛ لأنه طردي غير مناسب ويستبقى الثالث فيحكم بأنه علة.
وخلاصة هذا المسلك؛ أن المجتهد عليه أن يبحث في الأوصاف الموجودة في الأصل، ويستبعد ما لا يصلح أن يكون علة منها، ويستبقى ما هو علة حسب رجحان ظنه، وهاديه في الاستبعاد والاستبقاء تحقق شروط العلة، بحيث لا يستبقى إلا وصفا ظاهرا منضبطا متعديا مناسبا معتبرا بنوع من أنواع الاعتبار، وفي هذا تتافوت عقول المجتهدين؛ لأن منهم من يرى المناسب هذا الوصف، ومنهم من يرى المناسب وصفًا آخر، فالحنفية رأوا المناسب في تعليل التحريم في الأموال الربوية القدر مع اتحاد الجنس، والشافعية رأوه الطعم مع اتحاد الجنس، والمالكية رأوه القوت والادخار مع اتحاد الجنس، والحنفية رأوا المناسب في تعليل ثبوت الولاية على البكر الصغيرة الصغر، والشافعية رأوه البكارة.
وبعض علماء الأصول عد من مسالك العلة تنقيح المناط، والمراد بتنقيح المناط، هو تهذيب ما نيط به الحكم وبني عليه وهو علته، والحق أن تنقيح المناط إنما يكون حيث دال النص على العلية من غير تعين وصف بعينه علة، فهو ليس مسلكا للتوصل به إلى تعليل الحكم؛ لأن تعليل الحكم مستفاد من النص، وإنما هو مسلك لتهذيب وتخليص علة الحكم مما اقترن بها من الأوصاف التي لا مدخل لها في العلية، ومثال هذا ما ورد في السنة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله وقال له: هلكت، فقال له الرسول:"ما صنعت"؟ فقال: واقعت أهلي في نهار رمضان عمدًا، فقال له الرسول:"كفر............... " الحديث. فهذا النص دل بالإيماء على أن علة إيجاب التكفير على الأعرابي ما وقع منه ولكن هذا الذي وقع منه فيه ما لا مدخل له في العلية لإيجاب التكفير مثل كونه أعرابيا، وكونه واقع خصوص زوجته، وكونه واقع في نهار رمضان من تلك السنة بعينها.