فالمجتهد يستبعد هذه الأوصاف؛ لأنها لا مدخل لها في العلية، ويستخلص علة الوقاع عمدًا في نهار رمضان، وعلى هذا تجب الكفارة على من أفطر عامدا في نهار رمضان بالجماع خاصة، وهذا مذهب الشافعي، وأما الحنفية فقالوا: إن مثل الجماع كل مفطر، وهذه المماثلة تفهم بالتبادر فتجب الكفارة على كل من أفطر عمدا في نهار رمضان بجماع، أو بأكل أو بشرب أو غيرها، فيكون المناط لإيجاب الكفارة عندهم بعد تهذيبه المفسد للصوم عمدًا، فتهذيب العلة مما اقترن بها ومما لا مدخل له في العلية هو تنقيح المناط.
ومن هذا يتبين أن تنقيح المناط غير السبر والتقسيم؛ لأن تنقيح المناط يكون حيث دل نص على مناط الحكم، ولكنه غير مهذب ولا خالص من اقتران ما لا مدخل له في العلية به، وأما السبر والتقسيم فيكونان حيث لا يوجد نص أصلا على مناط الحكم، ويراد التوصل بهما إلى معرفة العلة لا إلى تهذيبها من غيرها، وأما النظر في استخراج العلة غير المنصوص عليها، ولا المجمع عليها بواسطة السبر والتقسيم، أو بأي مسلك من مسالك العلة فيسمى تخريج المناط، فهو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص، ولم يرد نص بعلته ولم نعقد إجماع على علته، وأما تحقيق المناط فهو النظر في تحقيق العلة التي ثبتت بالنص، أو بالإجماع أو بأي مسلك في جزئية أو واقعة غير التي ورد فيها النص، كما إذا ورد النص بأن علة اعتزال النساء في المحيض هي الأذى فينظر في تحقيق الأذى في النفاس.
وكما إذا ثبت أن علة تحريم شرب الخمر الإسكار فينظر في تحقيق الإسكار في نبيذ آخر.