للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًّا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل وأحق بالأمر مني … » (١).

ونقل ابن كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: «لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي. فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك! إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل، والفقه، والعلم» (٢).

فهل يسوغ في عقلٍ ودينٍ أن يسب معاوية عليًّا بعد هذا؟ بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد هذا فيه؟!!

الثاني: أنه لا يعرف بنقلٍ صحيحٍ أن معاوية تعرض لعلي بسب أو شتمٍ أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته؟!! فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.

الثالث: أن معاوية كان رجلًا ذكيًّا مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي -حاشاه ذلك- أفكان يطلب هذا من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو مَنْ هو في الفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلًا، فهذا لا يفعله أقل الناس عقلًا وتدبيرًا فكيف بمعاوية؟!!

الرابع: أن معاوية انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب، ودانت له الأمصار بالملك فأي نفع له في سب علي؟! بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس،


(١) البداية والنهاية (٨/ ١٣٢).
(٢) البداية والنهاية (٨/ ١٣٣).

<<  <   >  >>