للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجملة التي حضروها وكثيرًا ما يكون الرسول ذكرها في معرض الإنكار، وترى ذلك في مرويات أبي هريرة بصورة خاصة.

وكما استدركت على أبي هريرة ضياع أول الكلام عليه أو آخره، استدركت على كثيرين فهمهم لحديث، أو خطأ استنباط حكم من آية، أو ضلالًا في معرفة أسباب النزول، أو اجتهادًا فيه مشقة على الناس. وكان الناس يقعون منها في كل ذلك على علم غزير وفهم حصيف، ورأي صائب. ولا غرو فقد كانت السيدة عائشة الملجأ الأخير الذي ترفع إليه مسائل الخلاف والروايات وأحكام الشريعة لتمحيصها والقضاء فيها بالقول الفصل".

ومن هنا توقن أن حياة السيدة بنت مجدًا باذخًا لتاريخ المرأة العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتها وحدها كفيلة بملء تاريخ كامل، فلست أعلم في عبقريات الرجال والنساء في تواريخ الأمم ما يداني مكانة السيدة التي تناسيناها حتى أنه لم يؤلف - فيما علمنا - في سيرتها إلى اليوم كتاب وهذا أول ما كان يجب أن نعنى به.

ولتعلم بعد هذا سيداتنا، أن امرأة منهن في صدر الإسلام تتلمَذ عليها مشيخة المهاجرين والأنصار من كل حبر وعالم وفقيه وقارئ وراوية. وعنها وحدها نقل ربع الشريعة كما قال الحاكم في المستدرك.

ليس مؤلفنا الزركشي أول من صنف في هذا الموضوع، بل إن السابق إليه هو أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث التاجر السفار عاش في القرن الخامس الهجري ولد سنة ٤١١ هـ ومات سنة ٤٨٩ هـ تلقى الحديث في دمشق ومصر والرحبة وروى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما وكتب وحصل في الأصول (١). وجملة ما استدرك في مصنفه خمسة وعشرون حديثًا.

وقد نقل الزركشي عن كتاب البغدادي هذا في مواضع متعددة وفي


(١) شذرات الذهب ٣: ٣٩٢.

<<  <   >  >>