وبالجملة كل صانع حاذق فاضل في صناعته ينسر بإظهار فضائله وإذاعتها بين أهلها ومستحقيها. وهذا هو معنى الجود إلا أن الجود بأعلى الأشياء وأكرمها أفضل وأشرف من الجود بأدونها وأخسها وقد عرض لهذا الجود مع شرفه وعلو مرتبته ضد ما عرض لذلك الجود الآخر مع نزارته وقلته. وذلك أن صاحب الأموال والمقتنيات الخارجة كلها ينتقص ماله بالإنفاق وينثلم بالبذل وتفني ذخائره. وأما صاحب السعادة العامة فإن أمواله لا تنقص بالإنفاق بل تزيد ولا تفنى ذخائره بالتبذير بل تنمو. وتلك معرضة للآفات الكثيرة من الأعداء واللصوص وسائر المتسلطين وهذه محروسة من كل آفة لا سبيل للأشرار والأعداء إليها بوجه ولا سبب. فقد ظهرت لذة السعيد كيف تكون ومن أين تبتدىء وإلى أين تنتهي وكيف يكون السرور الحقيقي واللذة الذاتية. وتبين أيضا أنها أبدية وتامة وإلهية وأن ضدها هو الشقاء لذاته بالضد وعلى العكس أعني أن لذاته كلها عرضية ومنتقلة عن طبائعها إلى أضدادها حتى مؤلمة أو مكروهة وأنها غير إلهية بل شيطانية وغير ممدوحة بل هي مذمومة. وذلك بأن ينظر في السعادة هل هي ممدوحة. فإن ارسطوطاليس يقول أن الأشياء التي هي في غاية الفضل لا يوجد لها مدح لأنها أفضل وأمدح وأجل من أن تمدح قال: وذلك أنا قد ننسب المتأهلين والخيار من الناس إلى السعادة وليس يوجد أحد من الناس يمدح السعادة نفسها كما يمدح العدل. لكنه يجلها ويكرمها إلى أنها أمر إلهي بالأشياء التي هي أفضل من المدح وهو الله تعالى