ولذلك قالت الحكماء أن اللذة إذا كانت صحيحة ساقت البدن من النقص إلى التمام ومن السقم إلى الصحة.
وكذلك تسوق النفس من الجهل إلى العلم ومن الرذيلة إلى الفضيلة. إلا أن ههنا سرا ينبغي أن يقف عليه المتعلم وهو أن ميله إلى اللذة الحسية ميل قوي جدا وشوقه إليها شوق مزعج ولا تزيد العادة في قوة الطبع الذي لنا كبير زيادة لفرط ما جبلنا عليه في البدء من القوة والشوق. ولذلك متى كانت هذه اللذة حسية قبيحة جدا ثم مال الطبع إليها بافراط وانفعل عنها بقوة استحسن الإنسان فيها كل قبيح وهون على نفسه منها كل صعب ولا يرى موضع الغلط ولا مكان القبيح حتى تبصره الحكمة. وأما اللذة العقلية الجميلة فأمرها بالضد.
وذلك ان الطبع يكرهها فإن انصرف الإنسن إليها بمعرفته وتمييزه احتاج فيها إلى صبر ورياضة حتى إذا تبصر فيها وتدرب لها إنكشف له حسها وبهاؤها، وصارت عنده بمكان في الحسن. ومن هنا تبين أن الإنسان في إبتداء تكوينه محتاج إلى سياسة الوالدين ثم إلى الشريعة الإلهية والدين القيم حتى تهديه وتقومه إلى الحكم البالغة ليتولى تدبير نفسه إلى آخر عمره. وقد تبين مع ذلك تعلق السعادة بالجود. وذلك أنا قد بينا لذة فاعلة ولذة الفاعل أبدا تكون في الإعطاء ولذة المنفعل أبدا تكون في الأخذ. ولا تظهر لذة السعيد إلا بإبراز فضائله وإظهار حكمته ووضعها كفائته في مواضعها وكذلك البناء الحاذق والصانع اللطيف والموسيقاني المحسن.