الجواهر وماتحويه الدنيا برا وبحرا ما يتقلبون فيه من سائر الأمتعة والأثاث.
ولا يعدل جميع ذلك ما اخترته لنفسي من فضيلة المودة. وذلك أن جميع ما أحصيته لا ينفع صاحبه إذا حلت به لوعة مصيبة في صديقه.
وافهم من الصديق ههنا أنه آخر هو أنت سواء كان أخا من نسب أو غريبا أو ولدا أو والدا ولا يقوم له جميع ما في الأرض مقام صديق يثق به في مهم يساعده عليه سعادة عاجلة أو آجلة تتم له.
فطوبى لمن أوتي هذه النعمة العظيمة وهو خلو من السلطان. وأعظم طوبى لمن أتيه في سلطان. ذلك أن من باشر أمور الرعية وأراد أن يعرف أحوالهم وينظر في أمورهم حق النظر لن يكفيه أذنان ولا عينان ولا قلبد واحد فإن وجد إخوانا ذوي ثقة وجد بهم عيونا وآذانا وقلوبا كأنها بأجمعها له فقربت عليه أطرافه واطلع من أدنى أمره على أقصاه ورأى الغائب بصورة الشاهد. فأنى توجد هذه الفضيلة إلا عند الصديق وكيف يطمع فيها عند غير الرفيق الشفيق؟) ؟ كيف يختار الصديق وإذ قد عرفنا هذه النعمة الجليلة فيجب علينا أن ننظر كيف نقتنيها ومن أين نطلبها وإذا حصلت لنا كيف نحتفظ بها لئلا يصيبنا فيها ما أصاب الرجل الذي ضرب به المثل حين طلب شاة سمينة فوجدها وارمة فاغتر بها وظن الورم سمنا فأخذه الشاعر فقال:
أعيذها نظرات صادقة ... ان تحسب الشحم فيمن شحمه ورم