لا سيما وقد علمنا أن الإنسان من بين الحيوان يتصنع حتى يظهر للناس منه مالا حقيقة له فيبذل ماله وهو بخيل ليقال هو جواد ويقدم في بعض المواطن على بعض المخاوف ليقال هو شجاع.
وكذلك يكون حال من لا يعرف الحشائش والنبات فإنها تشتبه في عينه حتى ربما تناول منها شيئا وهو يظنه حلو فإذا طعمه وجده مرا وربما ظنه غذاء فيكون سما. فينبغي لنا أننحذر ركوب لخطر في تحصيل هذه النعمة الجليلة حتى لا نقع في مودة المموهين الخداعين الذين يتصورون لنا بصورة الفضلاء الأخيار. فإذا حصلونا في شباكهم افترسونا كما تفترس السباع أكيلتها. والطرق إلى السلامة من هذا الخطر بحسب ما أخذناه عن سقراطيس إذا أردنا أن نستفيد صديقا أن نسأل عنه كيف كان في صباه مع والديه ومع إخواته وعشيرته فإن كان صالحا معهم فارج الصلاح منه وإلا فابعد منه وإياك وإياه. قال: (ثم إعرف بعد ذلك سيرته مع أصدقائه قبلك فأضفها إلى سيرته مع إخوته وآبائه. ثم تتبع أمره في شكر من يجب عليه شكره أو كفره النعمة. ولست أعني بالشكر المكافأة التي ربما عجز عنها بالفعل ولكن ربما عطل نيته في الشكر فلا يكافىء بما يستطيع وبما يقدر عليه ويغتنم الجميل الذي يسدى إليه ويراه حقا له أو يتكاسل عن شكره باللسان. وليس أحد يتعذر عليه نشر النعمة التي تتولاه والثناء على صاحبها والإعتداد له بها. وليس شيء أشد إحتياجا للنقم من الكفر وحسبك ما أعده الله لكافر نعمته من النقم مع تعاليه عن الإستضرار بالكفر.