ولا شيء أجلب للنعمة ولا أشد تثبيتا لها من الشكر وحسبك ما وعد الله به الشاكرين مع إستغنائه عن الشكر. فتعرف هذا الخلق ممن تريد مؤاخاته واحذر أن تبتلي بالكفر للنعم ولا تكن بالمستحقر لأيادي الإخوان وإحسان السلطان.
ثم انظر إلى ميله إلى الراحات وتباطئه عن الحركة التي فيها أدنى نصب. فإن هذا خلق ردىء ويتبعه الميل إلى اللذات فيكون سببا للتقاعد عما يجب عليه من الحقوق.
ثم انظر نظرا شافيا في محبته للذهب والفضة وإستهانته بجمعهما وحرصه عليهما فإن كثيرا من المتعاشرين يتظاهرون بالمحبة ويتهادون ويتناصحون فإذا وقعت بينهم معاملة في هذين الحجرين هر بعضهم على بعض هرير الكلاب وخرجوا إلى ضروب العداوة. ثم انظر في محبته للرئاسة والتفريط فإن من أحب الغلبة والترؤس وأن يفرط لا ينصفك في المودة ولا يرضى منك بمثل ما يعطيك ويحمله الخيلاء والتيه على الإستهانة بأصدقائه وطلب الترفع عليهم ولا تتم مع ذلك مودة ولا غبطة ولا بد من أن تؤول الحال بينهم إلى العداوة والأحقاد والأضغان الكثيرة. ثم انظر هل هو ممن يستهزىء بالغناء واللحون وضروب اللهو واللعب وسماع المجون والمضاحيك فإن كان كذلك فما أشغله عن مساعدات إخوانه ومواساتهم وما أشد هربه عن مكافأة بإحسان وإحتمال النصب ودخول تحت جميل. فإن وجدته بريئا من هذه الخلال فلتحتفظ عليه ولترغب فيه ولتكتف بواحد إن وجد فإن الكمال عزيز.
وأيضا فإن من كثرت أصدقاؤه لم يف بحقوقهم واضطر إلى الأغضاء عن بعض ما يجب عليه والتقصير في بعضه وربما ترادفت عليه أحوال متضادة أعني أن تدعوه مساعدة صديق إلى أن يسر بسروره ومساعدة آخر أن يغتم بغمه وأن يسعى بسعي واحد ويقعد بقعود آخر مع أحوال تشبه هذه كثيرة مختلفة.