ويتطلب عيوبه ويتتبع عثراته ويبالغ كل واحد فيما يقدر عليه من إساءة صاحبه حتى يؤدي بهم الحال إلى العداوة التامة التي يكون معها السعاية وإزالة النعم وتجاوز ذلك إلى سفك الدم وأنواع الشرور. فكيف يثبت مع المراء محبة ويرجى به ألفة؟ ثم احذر في صديقك إن كنت متحققا بعلم أو متحليا بأدب أن تبخل عليه بذلك الفن أو يرى فيك أنك تحب الإستبداد دونه والإستئثار عليه فإن أهل العلم لا يرى بعضهم في بعض ما يراه أهل الدنيا بينهم. ذلك أن متاع الدنيا قليل فإذا تزاحم عليه قوم ثلم بعضهم حال بعض ونقص حظ كل واحد من حظ الآخر. وأما العلم فإنه بالضد وليس أحد ينقص منه ما يأخذه غيره بل يزكو على النفقة ويربو مع الصداقة ويزيد على الإنفاق وكثرة الخرج فإذا بخل صاحب علم بعلمه فإنما ذلك لأحوال فيه كلها قبيحة. وهي أنه أما أن يكون قليل البضاعة منه فهو يخاف أن يفنى ما عنده أو يرد عليه مالا يعرفه فيزول تشرفه عند الجهال. وأما أن يكون مكتسبا به فهو يخشى أن يضيق مكسبه به وينقص حظه منه. وأما أن يكون حسودا والحسود بعيد من كل فضيلة لا يوده أحد. وإني لأعرف من لا يرضى بأن يبخل بعلم نفسه حتى يبخل بعلم غيره ويكثر عتبه وسخطه على من لا يفيد غيره من التلامذة المستحقين لفائدة العلم. وكثيرا ما يتوصل إلى أخذ الكتب من أصحابها ثم منعهم منها. وهذا خلق لا تبقى معه مودة بل يجلب إلى صاحبه عداوة لا يحسبها ويقطع أطماع أصدقائه من صداقته. ثم احذر أن تنبسط بأصحابك ومن يخلو بك من اتباعك وتحمل أحدا منهم على ذكر شيء في نفسه. ولا ترخص في عيب شيء يتصل به فضلا عن عيبه ولا يطمعن