ثم حافظ على هذه الشروط بالمداومة عليها لتبقى المودة على حال واحدة. وليس هذا الشرط خاصا بالمودة بل هو مطرد في كل ما يخصك أعني أن مركوبك وملبوسك ومنزلك متى لم تراعها مراعاة متصلة فسدت وانتقضت. فإذا كانت صورة حائطك وسطوحك كذلك ومتى غفلت أو توانيت لم تأمن تقوضه وتهدمه فكيف ترى أن تجفو من ترجوه لكل خير وتنتظر مشاركته في السراء والضراء؟ ومع ذلك فإن ضرر تلك يختص بك بمنفعة واحدة. وأما صديقك فوجوه الضرر التي تدخل عليك بجفائه وانتقاض مودته كثيرة عظيمة. ذلك أنه ينقلب عدوا وتتحول منافعه مضارا فلا تأمن غوائله وعدواته مع عدمك الرغائب والمنافع به وينقطع رجاؤك فيما لا تجد له خلفا ولا تستفيد عنه عوضا ولا يسد مسده شيء.
وإذا راعيت شرطوه وحافظت عليها بالمداومة أمنت جميع ذلك. ثم احذر المراء معه خاصة وإن كان واجبا أن تحذره مع كل أحد فإن مماراة الصديق تقتلع المودة من أصلها لأنها سبب الإختلاف والإختلاف سبب التباين الذي هربنا منه إلى ضده وقبحنا أثره واخترنا عليه الألفة التي طلبناها وأثنينا عليها وقلنا أن الله عز وجل دعا إليها بالشريعة القويمة. وإني لأعرف من يؤثر المراء ويزعم أنه يقدح خاطره ويشحذ ذهنه ويثير شكوكه فهو يتعمد في المحافل التي تجمع رؤوساء أهل النظر ومتعاطي العلوم مماراة صديقه ويخرج في كلامه معه إلى ألفاظ الجهال من العامة وسقاطهم ليزيد في خجل صديقه وليظهر انقطاعه وتبلجه. وليس يفعل ذلك عند خلوته به ومذاكرته له وإنما يفعله حين يظن به أنه أدق نظرا أو أحضر حجة وأغزر علما واحدّ قريحة. فما كنت أشبهه إلا بأهل البغي وجبابرة أصحاب الأموال والمشبهين بهم من أهل البدع فإن هؤلاء يستحقر بعضهم بعضا ولا يزال يصغر بصاحبه ويزدري على مروءته