يمقتك عليه ويظهر لك منك تكلف فيه. وإنما يتم لك ذلك إذا توخيت الصدق في كل ما تثنى به عليه. والزم هذه الطريقة حتى لا يقع منك توان فيها بوجه من الوجوه وفي حال من الأحوال. فإن ذلك يجلب المحبة الخالصة ويكسب الثقة التامة ويهديك محبة الغرباء ومن لا معرفة لك به.
وكما أن الحمام إذا ألف بيوتنا وآنس لمجالسنا وطاف بها يجلب لنا أشكاله وأمثاله فكذلك حال الإنسان إذا عرفنا واختلط بنا إختلاط الراغب فينا الآنس بنا. بل يزيد على الحيوان الغير الناطق بحسن الوصف وجميل الثناء ونشر المحاسن. وأعلم أن مشاركة الصديق في السراء إذا كنت فيها وإن كانت واجبة عليك حتى لا تستأثرها ولا تختص بشيء منها فإن مشاركته في الضراء أوجب وموقعها عنده أعظم. وانظر عند ذلك أن إصابته نكبة أو لحقته مصيبة أوعثر به الدهر كيف تكون مواساتك له بنفسك وما لك وكيف يظهر له تفقدك ومراعاتك. ولا تنتظرن به أن يسألك تصريحا أو تعريضا بل اطلع على قلبه وأسبق إلى ما في نفسه وشاركه في مضض ما لحقه ليخف عنه. وإن بلغت مرتبة من السلطان والغنى فاغمس إخوانك فيها من غير امتنان ولا تطاول. وإن رأيت من بعضهم نبوا عنك أو نقصانا مما عهدته فداخله زيادة مداخلة واختلط به واجتذبه إليك. فإنك إن أنفت من ذلك أو تداخلك شيء من الكبر والصلف عليهم انتقض حبل المودة وانتكثت قوته. ومع ذلك فلست تأمن أن يزولوا عنك فتستحي منهم وتضطر إلى قطيعتهم حتى لا تنظر إليهم.