أما من جهل الموت ولا يدري ماهو على الحقيقة فإنا نبين له أن الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلاتها وهي الأعضاء التي يسمى مجموعها بدنا كما يترك الصانع إستعمال آلاته. وأن النفس جوهر غير جسامني وليست عرضا وإنها غير قابلة للفساد وهذا البيان يحتاج فيه إلى علوم تتقدمه وهو مبرهن مشروح على الإستقصاء في موضعه الخاص به. من تطلع إليه ونشط للوقوف عليه لم يبعد مرامه ومن قع بما ذكرته في صدر هذا الكتاب وسكنت نفسه إليه علم أن ذلك الجوهر مفارق لجوهر البدن مباين له كل المبانية بذاته وخواصه وأفعاله وآثاره فإذا فارق البدن كما قلنا وعلى الشريطة التي شرطنا بها البقاء الذي يخصه ونقى من كدر الطبيعة وسعد السعادة التامة ولا سبيل إلى فنائه وعدمه.
فإن الجوهر لا يفنى من حيث هو جوهر ولا تبطل ذاته وإنما تبطل الأعراض والنسب والإضافات التي بينه وبين الأجسام بأضدادها. فأما الجوهر فلا شد له ولك شيء يفسد فإنما فساده من ضده وقد يمكنك أن تقف على ذلك بسهولة من أوائل المنطق قبل أن تصل إلى براهينه.
وإن أنت تأملت الجوهر الجسماني الذي أخس من ذلك الجوهر الكريم واستقرت حاله وجدته غير فإن ولامتلاش من حيث هو جوهر إنما يستحيل بعضه إلى بعض فتبطل خواصه شيئا فشيئا منه وأعراضه. فأما الجوهر نفسه فهو باق لا سبيل إلى عدمه وبطلانه. مثال ذلك الماء فإنه يستحيل بخارا وهواء وكذلك الهواء يستحيل ماء ونارا فتبطل عن لجوهر أعراضه وخواصه وأما الجوهر من حيث هو جوهر فإنه لا سبيل إلى عدمه هذا في الجوهر الجسماني القابل للإستحالة والتغير.