وكذلك الحياة حياتان حياة إرادية وحياة طبيعية وعنوا بالموت الإرادي إماتة الشهوات وترك التعرض لها وبالموت الطبيعي مفارقة النفس البدن.
وعنوا بالحياة الإرادية ما يسعى له الإنسان لحياته الدنيا من المآكل والمشارب والشهوات. وبالحياة الطبيعية بقاء النفس السرمدي بما تستفيده من العلوم الحقيقية وتبرأ به من الجهل. ولذلك وصى أفلاطون طالب الحكمة بأن قال له مت بالإرادة تحي بالطبيعة. على أن من خاف الموت الطبيعي للإنسان فقد خاف ما ينبغي أن يرجوه. ذلك أن هذا الموت هو تمام حد الإنسان لأنه حي ناطق ميت. فالموت تمامه وكما له وبه يصير إلى أفقه الأعلى. ومن علم أن كل شيء هو مركب من حد وحدّه مركب من جنسه وفصوله. وأن جنس الإنسان هو الحي وفصلاه الناطق والمايت علم أنه سينحل إلى جنسه وفصوله لأن مركب لا محالة منحل إلى ما تركب منه. فمن أجهل ممن يخاف تمام ذاته ومن أسوء حالا ممن يظن أن فناءه بحياته ونقصانه بتمامه.
ذلك أن لاناقص إذا خاف أن يتم فقد دل من نفسه على غاية الجهل. فإذا الواجب على العاقل أن يستوحش من النقصان ويأنس بالتمام ويطلب كل ما يتممه ويكمله ويشرفه ويعلى منزلته ويخلي رباطه من الوجه الذي يأمن به الوقوع في الأسر لا من الوجه الذي يشدو وثاقه ويزيده تركيبا وتعقيدا ويثق بأن الجوهر الشريف الإلهي إذا تخلص من الجوهر الكثيف الجسماني خلاص بقاء وصفو لاخلاص مزاج وكدر فقد سعد وعاد إلى ملكوته وقرب من بارئه وفاز بجوار رب العالمين وخالط الأرواح الطيبة من أشكاله وأشباهه ونجا من أضداده وأغياره،