لم يأسف عليها ولم يبال بها. فإن من فعل ذلك أمن فلم يجزع وفرح فلم يحزن وسعد فلم يشق. ومن لم يقبل هذه الوصية ولما يعالج نفسه بهذا العلاج لم يزل في جزع دائم وحزن غير منتقص.
وذلك أنه لا يعدم في كل حال فوت مطلوب أو فقد محبوب وهذا لازم لعالمنا هذا لأنه عالم الكون والفساد. ومن طمع من الكائن الفاسد أن لا يكون ولا يفسد فقد طمع في المحال لم يزل خائبا والخائب أبدا محزون والمحزون شقي. ومن استشعر بالعادة الجميلة ورضى بكل ما يجده ولا يحزن لشيء يفقده لم يزل مسرورا سعيدا. فإن ظن ظان أن هذا الإستشعار لا يتم له أو لا ينتفع به فلينظر إلى استشعارات الناس في مطالبهم ومعايشهم وإختلافهم فيها بحسب قوة الإسشعار. فإنه سيرى رؤية بينة ظاهرة فرح المتعيشين بمعايشهم على تفاوتها. وسرور أصحاب الحرف المختلفة بمذاهبهم على تباينها. وليتصفح ذلك في طبقة طبقة من طبقات الدهماء فإنه لا يخفى عليه فرح التاجر بتجارته والجندي بشجاعته والمقامر بقماره والشاطر بشطارته والمخنث بتخنثه حتى يظن كل واحد منهم أن المغبون من عدم تلك الحالة حتى فقد بهجتها والمجنون من غبي عنها فحرم لذتها. وليس ذلك إلا لقوة إستشعار كل طائفة بحسن مذهبها ولزومها إياه بالعادة الطويلة. وإذا لزم طالب الفضيلة مذهبه وقوى إستشعاره وحسن رأيه وطالت عادته كان أولى بالسرور ومن هذه الطبقات الذين يخبطون في جهالاتهم وكان أحظاهم بالنعيم المقيم لأنه محق وهم مبطلون. وهو متيقن وهم ظانون. ثم هو صحيح وهم مرضى. وهو سعيد وهم أشقياء. وهو ولي الله عزوجل وهم أعداؤه وقد قال الله عز من قائل (أَلاَ إنَّ أَولِياءَ الله لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ)