وقال الكندي في كتاب دفع الأحزان. مما يدلك دلالة واضحة أن الحزن شيء يجلبه الإنسان ويضعه وضعا وليس هو من الأشياء الطبيعية أن من فقد ملكا أو طلب أمرا فلم يجده فلحقه حزن ثم نظر في حزنه ذلك نظرا حكيما وعرف أن أسباب حزنه هي أسباب غير ضرورية وان كثيرا من الناس ليس لهم ذلكالملك وهم غير محزونين بل فرحون مغبوطون علم علما لا ريب فيه أن الحزن ليس بضروري ولا طبيعي.
وأن من حزن من الناس وجلب لنفسه هذا العارض فهو لامحالة سيسلو ويعود إلى حاله الطبيعي. فقد شاهدنا قوما فقدوت من الأولاد والأعزة والأصدقاء ما إشتد حزنهم عليه ثم لم يلبثوا أن يعودا إلى حالة المسرة والضحك والغبطة ويصيرون إلى حال من لم يحزن قط.
ولذلك نشاهد من يفقد المال والضياع وجميع ما يقتنيه الإنسان مما يعز عليه ويحزنه فإنه لا محالة يتسلى ويزول حزنه ويعاود أنسه وإغتباطه. فالعاقل إذا نظر إلى أحوال الناس في الحزن وأسبابه. علم أن ليس يختص من بينهم بمصيبة غريبة ولا يتميز عنهم بمحنة بديعة وأن غايته من مصيبته السلوة. وأن الحزن هو مرض عارض يجري مجرى سائر الرداآت فلم يضع لنفسه عارضا رديئا ولم يكتسب مرضا وضيعا أعني مجتلبا غير طبيعي. وينبغي أن نتذكر ما قدمنا ذكره من حال من يحيا بتحية على أن يشمها ويتمتع بهائم ثم يردها ليشمها غيره ويتمتع بها سواه فأطمعته نفسه فيها وظن أنها موهوبة له هبة أبدية فلما أخذت منه حزن وأسف وغضب فإن هذه حال من عدم عقله وطمع فيما لا مطمع فيه.
وهذه حالة الحسود لأنه يحب أن يسيد بالخيرات من غير مشاركة الناس.