ولما كانت هذه الفضائل أوساطا بين أطراف وتلك الأطراف هي الرذائل وجب أن تفهم منها وأن اتسع لنا الزمان ذكرناها لأن وجود أسمائها في هذا الوقت متعذر وينبغي ان تفهم من قولنا أن كل فضيلة فهي وسد بين رذائل ما أنا واصفه.
إن الأرض لما كانت في غاية البعد من السماء قيل إنها وسط وبالجملة المركز من الدائرة هو على غاية البعد من المحيط وإذا كان الشيء على غاية البعد من شيء آخر فهو من هذه الجهة على القطر. فعلى هذا الوجه يبنغي أن يفهم معنى الوسط من الفضيلة إذا كانت بين رذائل بعدها منها أقصى البعد ولهذا إذا انحرنفت الفضيلة عن موضعها الخاص بها أدنى انحراف قربت من رذيلة أخرى ولم تسلم من العيب بحسب قربها من تلك الرذيلة التي تميل إليها ولهذا صعب جدا وجود هذا الوسط ثم التمسك به بعد وجوده أصعب لذلك قالت الحكماء إصابة نقطة الهدف أعسر من العدول عنها ولزوم الصواب بعد ذلك حتى لا يخطأها أعسر وأصعب. وذلك أن الأطراف التي تسمى رذائل من الأفعال والأحوال والزمان وسائر الجهات كثيرة جدا. ولذلك كانت دواعي الشر أكثر من دواعي الخير ويجب أن تطلب أوساط تلك الأطراف بحسب كل فرد فرد. فأما ما يجب على المؤلف فهو أن يذكر جمل هذه الأوساط وقوانينها بحسب ما يليق بالصناعة لا على ما يجب على كل شخص فإن هذا غير ممكن فإن النجار والصائغ وجميع أرباب الصناعات إنما يحصل في نفوسهم قوانين وأصول فيعرف النجار صورة الباب والسرير والصائغ صورةالخاتم والتاج على الإطلاق.