فأما أشخاص ماقام في نفسه فإنما يستخرجها بتلك القوانين ولا يمكنه تعرف الأشخاص لأنها بلا نهاية. وذلك أن كل باب وخاتم إنما يعمل بمقدار ما ينبغي وعلى قدر الحاجة وبحسب المادة.
والصناعة لا تضمن إلا معرفة الأصول فقط. وإذ قد ذكرنا معنى الوسط في الأخلاق وماينبغي أن يفهم منه فلنذكر هذه الأوساط لتفهم منها الأطراف التي هي رذائل وشرور فنقول وبالله التوفيق.
أما الحكمة فهي وسط بين السفه والبله وأعني بالسفه ههنا إستعمال القوة الفكرية فيما لا ينبغي وكمالا ينبغي. وسماه القوم الجزيرة وأعني بالبله تعطيل هذهالقوة وإطراحها وليس بنبغي أن يفهم أن البله ههنا نقصان الخلقة بل ما ذكرته من تعطيل القوة الفكرية بالإرادة. وأما الذكاء فهو وسط بين الخبث والبلادة فإن أحد طرفي كل وسط إفراط والآخر تفريط أعني الزيادة عليه والنقصان منه فالخبث والدهاء والحيل الرديئة هي كلها إلى جانب الزيادة فيما ينبغي أن يكون الذكاء فيه. وأما البلادة والبله والعجز عنغدراك المعارف فهي كلها إلى جانب النقصان من الذكاء. وأما الذكر فهو وسط بين النسيان الذي يكون بإهمال ما ينبغي أن يحفظ وبين العناية بما لا ينبغي أن يحفظ. وأما التعقل - وهو حسن التصور - فهووسط بين الذهاب بالنظر في الشيء الموضوع إلى أكثر مما هو عليه وبين القصور وبالنظر فيه عما هو عليه. وأما سرعة الفهم فهي وسط بين إختطاف خيال الشيء من غير إحكام لفهمه. وبين الإبطاء عن فهم حقيقته.