فأما تجويد جوهره فمفوض إلى الإنسان وهو معلق بإرادته. فاعرف هذه الجملة إلى أن تلخص في موضعها إن شاء الله تعالى. وقد قدمنا في صدر هذا الكتاب إن قلنا ينبغي أن نعرف نفوسنا ما هي ولأي شيء هي. ثم قنا إن لكل جوهر موجود كمالا خاصا به وفعلا لا يشاركه فيه غيره من حيث هو ذلك الشيء وقد بينا ذلك في غاية البيان في الرسالة المسعدة. وإذا كان ذلك محفوظا فنحن مضطرون إلى أن نعرف الكمال الخاص بالإنسان والفعل الذي لا يشاركه فيه غير منحيث هو إنسان لنحرص على طلبه وتحصيله ونجتهد في البلوغ إلى غايته ونهايته. ولما كان الإنسان مركبا لم يجز أن يكون كماله وفعله الخاص به كمال بسائطه وأفعالها الخاصة بها وإلا كان وجود المركب باطلا كالحال في الخاتم والسرير. فإذا له فعل خاص به من حيث هو مركب وإنسان لا يشاركه فيه شيء من الموجودات الأخر. فأفضل الناس أقدرهم على إظهار فعله الخاص والزمهم له من غير تلون فيه ولا إخلال به في وقت دون وقت. وإذا عرف الأفضل فقد عرف الأنقص على إعتبار الضد، فالكمال الخاص بالإنسان كمالان وذلك أن له قوتين إحداهما العالمة والأخرى العاملة فلذلك يشتاق بإحدى القوتين إلىالمعارف والعلوم وبالأخرى إلى نظم الأمور وترتيبها وهذان الكمالان هما اللذان نص عليهما الفلاسفة فقالوا.