وإن شئت فانزل في منازل الملائكة وكن منهم. وفي كل واحدة من هذه المراتب مقامات كثيرة فإن بعض البهائم أشرف من بعض وذلك لقبول التأديب لأن الفرس إنما شرف على الحمار لقبوله الأدب وكذلك في البازي فضيلة على الغراب. وإذا تأملت الحيوان كله وجدت القابل للتأديب الذي هو أثر النطق أعني النفس الناطقة أفضل من سائره وهو يتدرج في ذلك إلى ان يصير إلى الحيوان الذي هو في أفق الإنسان أعني الذي هو أكمل البهائم وهو في أخس مرتبة الإنسانية.
وذلك أن أخس الناس هو من كان قليل العقل قريبا من البهيمية. وهم القوم الذين في أقاصي الأرض المعمورة وسكان آخر ناحية الجنوب والشمال لا ينفصلون عن القرود إلا بشيء قليل من التمييز. وبذلك القدر يستحقون إسم الإنسانية. ثم يتميزون ويتزايدون في هذا المعنى حتى يبلغوا إلى وسط الأقاليم، ويعتدل فيهم المزاج القابل لصورة العقل فيصير فيهم العاقل التام والمميز العالم. ثم يتفاضلون في هذا المعنى أيضا إلى أن يصيروا إلى غاية ما يمكن للإنسان أن يبلغ إليه من قبول قوة العقل والنطق. فيصير حينئذ في الأفق الذي بين الإنسان والملك ويصير فيهم القابل للوحي والمطليق لحمل الحكمة فتيض عليه قوة العقل ويسيح إليه نور الحق ولا حالة للإنسان أعلى من هذه ما دام إنسانا.