ثم ارجع القهقري إلى النظر في الرتبة الناقصة التي هي أدون مراتب الإنسان فإنك تجد القوم الذين تضعف فيهم القوة الناطقة وهم القوم الذي ذكرنا أنهم في أفق البهائم تقوى فيهم النقص البهيمية فيميلون إلى شواتها المأخوذة بالحواس كالمأكول والمشروب والملبوس وسائر النزوات الشبيهة بها. وهؤلاء هم الذين تجذبهم الشهوات القوية بقوة نفوسهم البهيمية حتى يرتكبونها ولا يرتدعوا عنها. وبقدر ما يكون فيهم من القو العاقلة يستحيون منها تى يستتروا بالبيوت ويتواروا بالظلمات إذا هموا بلذة تخصهم.
وهذا الحياء منهم هو الدليل على قبحها فإن الجميل بالإطلاق هو الذي يتظاهربه ويستحب إخراجه وإذاعته. وهذا القبح ليس بشيء أكثر من النقصانات اللازمة للبشر. وهي التي يشتاقون إلى إزالتها. وافحشها هو انقصها. وانقصها أحوجها إلى الستر والدفن. ولو سألت القوم الذين يعظمون أمر اللذة ويجعلونها الخير المطلوب والغاية الإنسانية لم تكتمون الوصول إلى أعظم الخيرات عندكم. وما بالكم تعدون موافقتها خيرا ثم تسترونها؟ أترون سترها وكتمانها فضيلة ومروءة وإنسانية والماهجرة بها وإظهارها بين أهل الفضل وفي مجمع الناس خساساة وقحة؟ - لظهر من انقطاعهم وتبلدهم في الجواب ما تعلم به سوء مذهبهم وخبث سيرتهم. وأقلهم حظا من الإنسانية إذا رأى إنسانا فاضلا احتشمه ووقره وأحب أن يكون مثله إلا الشاذ منهم الذي يبلغ من خساسة الطبع ونزارة الإنسانية ووقاحة الوجه إلى أن يقيم على نصرة ما هو عليه من غير محبة لرتبة من أفضل منه.