وأول هذه المراتب من الأفق الإنساني المتصل بآخر ذلك الأفق الحيواني مراتب الناس الذين يسكنون في أقاصي المعمورة من الشمال والجنوب كأواخر الترك من بلاد يأجوج ومأجوج وأواخر الزنج وأشباههم من الأمم التي لا تميز عن القرود إلا بمرتبة يسيره. ثم تتزايد فيهم قوة التمييز والفهم إلى أن يصيروا إلى وسط الأقاليم فيحدث فيهم الذكاء وسرعة الفهم والقبول للفضائل وإلى هذا الموضع ينتهي فعل الطبيعة التي وكلها الله عز وجل بالمحسوسات.
ثم يستعد بهذا القبول لإكتساب الفضائل واقتنائها بالإرادة والسعي والإجتهاد الذي ذكرناه فيما تقدم حتى يصل إلى آخر أفقه فإذا صار إلى آخر افقه اتصل بأول أفق الملائكة وهذا أعلى مرتبة الإنسان وعندها تتأحد الموجودات ويتصل أولها بآخرها. وهو الذي يسمى دائرة الوجود لأن الدائرة هي التي قيل في حدها إنها خط واحد يبتدىء بالحركة من نقطة وينتهي إليها بعينها ودائرة الوجود هي المتأحدة التي جعلت الكثرة وحدة. وهي التي تدل دلالة صادقة برهانية على موجدها وحكمته وقدرته ووجوده تبارك اسمه وتعالى جده وتقدس ذكره. ولولا أن شرح هذا الموضوع لا يليق بصناعة تهذيب الأخلاق لشرحته وأنت تقف عليه إن بلغت هذه الرتبة بمشيئة الله.
وإذا تصورت قدر ما أومأنا إليه وفهمته اطلعت على الآلة التي خلقت وندبت إليها وعرفت الأفق الذي يتصل بأفقك وتنقلك في مرتبة بعد مرتبة وركوبك طبقا عن طبق وحدث لك الإيمان الصحيح وشهدت ما غاب عن غيرك من الدهماء وبلغت أن تتدرج إلى العلوم الشريفة المكونة التي مبدؤها تعلم المنطق فإنه الآلة في تقويم الفهم والعقل الغريزي.