والأمر الذي هو غاية في نهاية النفاسة ليس يكون من أجل شيء آخر. فأفعال الإنسان إذا صارت كلها إلاهية فهي كلها إنما تصدر عن لبه وذاته الحقيقية التي هي عقله الإلهي الذي هو ذاته بالحقيقة وتزول وتتهدر سائر دواعي طباعه البدني بسائر عوارض النفسين البهيميتين وعوارض التخيل المتولد عنهما وعن دواعي نفسه الحسية فلا يبقى له حينئذ ارادة ولا همة خارجتان عن فعله من أجلهما يفعل مايفعل. لكنه يفعل ما يفعله بلا إرادة ولا همة في سوي الفعل أي لا يكون غرضه في فعله غير ذات الفعل وهذا هو سبيل العقل الإلهي. فهذه الحال هي آخر رتب الفضائل التي يتقبل فيها الإنسان أفعال المبدأ الأول خالق الكل عز وجل.
أعني أن يكون فيما يفعله لا يطلب به حظا ولا مجازاة ولا عوضا ولا زيادة لكن يكون فعله بعينه هو غرضه أي ليس يفعل من أجل شيء آخر سوى ذات الفعل. ومعنى ذاته هو أن لا يفعل ما يفعله من أجل شيء غير فعله نفسه وذاته نفسها هي الفعل الإلهي نفسه وهكذا يفعل الباري تعالى لذاته لا من أجل شيء آخر خارج عنه. وذلك أن فعل الإنسان في هذه الحال يكون كما قلنا خيرا محضا وحكمة محضة فيبدأ بالفعل لنفس إظهار الفعل فقط لا لغاية أخرى يتوخاها بالفعل وهكذا فعل الله عز وجل الخاص به ليس هو على القصد الأول من أجل شيء خارج عن ذاته. أعني ليس ذلك من أجل سياسة الأشياء التي نحن بعضها لأنه لو كان كذلك لكانت أفعاله حينئذ من أجل سياسة الشياء التي نحن بعضها لأنه لو كان كذلك لكانت أفعاله حينئذ إنما كانت وتكون وتتم بمشارفة الأمور التي من خارج ولتدبيرها وتدبير أحوالها وإهتمامه بها.