وعلى هذا تكون الأشياء التي من خارج أسبابا وعللا لأفعاله. وهذا شنيع قبيح تعالى الله عنه علوا كبيرا. لكن عنايته عزوجل بالأشياء التي من خارج وفعله الذي يدبرها به ويرفدها إنما هو على القصد الثاني وليس يفعل ما يفعله من أجل الأشياء أنفسها لكن من أجل ذاته أيضا. وذلك لأجل أن ذاته تفضل لذاتها لا من أجل المفضل عليه ولا من أجل شيء آخر. وهكذا سبيل الإنسان إذا بلغ إلى الغاية القصوى في الإمكان من الإقتداء بالباري عز وجل وتكون أفعاله التي يفعلها على القصد الأول من أجل ذلك الغير لكن يفعل بذلك الغير ما يفعله به بقصد ثان وفعله ذلك من أجل ذاته بالقصد الأول ومن اجل الفعل نفسه أي لنفس الفضيلة ولنفس الخير لأن فعله ذلك فضيلة وخير ففعله لنفس الفعل لا لإجتلاب منفعة ولا لدفع مضرة ولا للتباهي وطلب الرياسة ومحبة الكرامة فهذا هو غرض الفلسفة ومنهى السعادة. إلا أن الإنسان لا يصل إلى هذه الحال حتى تفني إرادته كلها التي بحسب الأمور الخارجة وتفني العوارض النفسانية وتموت خواطره التي تكون عن العوارض ويمتلىء شعارا إلهيا وهمة إلهية.
وإنما يمتلأ من ذلك إذا صفا من الأمر الطبيعي ألبتة ونفى منه نفيا كاملا. ثم حينئذ يمتلىء معرفة إلهية وشوقا إلهيا ويوقن بالأمور الإلهية بما يتقرر في نفسه وفي ذاته التي هي العقل كما تقررت فيه القضايا الأول التي تسمى العلوم الأوائل.