إلا أن تصور العقل ورويته في هذه الحال بالأمور الإلهية وتيقنه لها يكون بمعنى أشرف وألطف وأظهر وأشهد انكشافا له وبيانا من القضايا الأول التي تسمى العلوم الأوائل العقلية. فهذه ألفاظ هذا الحكيم قد نقلتها نقلا. (وهي نقل أبي عثمان الدمشقي. وهذا الرجل فصيح باللغتين جميعا أعني اليونانية والعربية مرضى النقل عند جميع من طالع هاتين اللغتين وهو مع ذلك شديد التحري لا يراد الألفاظ اليونانية ومعانيها من ألفاظ العرب ومعانيها لا تختلف في لفظ ولامعنى، ومن رجع إلى هذا الكتاب أعني المسمى بفضائل النفس قرأ هذه الألفاظ كما نقلتها) وليست تحصل هذه المراتب التي يترقى فيها صاحب السعادة التامة إلا بعد أن يعلم أجزاء الحكمة كلها علما صحيحا ويستوفيها أولا أولا كما رتبناها في كتابنا المسمى بترتيب السعادات. ومن ظن من الناس أنه يصل إليها بغير تلك الطريقة وعلى غير ذلك المنهج فقد ظن باطلا وبعد عن الحق بعدا كثيرا. وليتذكر في هذا الموضع الخطأ العظيم الذي وقع فيه قوم ظنوا أنهم يدركون الفضيلة بتعطيل القوة العالمة وإهمالها وبترك النظر الخاص بالعقل واكتفائهم بأعمال ليست مدنية ولا بحسب ما يقسطه التمييز والعقل.
وقد سماهم قوم العاملة والناجية. ولذلك رتبنا هذا الكتاب عقب ذلك الكتاب ليلحظ منهما السعادة الأخيرة المطلوبة بالحكمة البالغة وتتهذب لها النفس وتتهيأ لقبولها غسلا وتنقية من الأمور الطبيعية وشهوات الأبدان. ولذلك سميته أيضا بكتاب طهارة الأعراق