(وقد قال أرسطوطاليس في كتابه المسمى بالأخلاق) إن هذا الكتاب لا ينتفع به الأحداث كثير منفعة ولا من هو في طبيعة الأحداث قال ولست أعني بالحدث ههنا حدث السن لأن الزمان لا تأثير له في هذا المعنى. وإنما أعني السيرة التي يقصدها أهل الشهوات واللذات الحسية. وأما أنا فأقول أني ما ذكرت هذه المرتبة الأخيرة من السعادة طمعا في وصول الأحداث إليها. بل ليمر على سمعهم فقط وليعلم أن ههنا مرتبة حكمية لا يصل إليها إلا أهلها الأعلون مرتبة. فليلتمس كل من نظر في هذا الكتاب المرتبة الأولى منها بالأخلاق التي وصفتها فإن وفق بعد ذلك وأعانه الشوق الشديد والحرص التام وسائر ما ذكرناه ووصفناه عن الحكيم فليترق في درجة الحكمة وليتصاعد فيها بجهده فإن الله عز وجل يعينه ويفقه. فإذا بلغ الإنسان إلى غاية هذه السعادة ثم فارق بجسمه الكثيف دنياه الدنيئة وتجرد بنفسه اللطيفة التي عنى بتطهيرها وغسلها من الأدناس الطبيعية لأخراه العلية فقد فاز وأعد ذاته للقيا خالقه عزوجل أعدادا روحانيا لبس فيه نزاع إلى تلك القوى التي كانت تعوقه عن سعادته ولاتشوق إليها لأنه قد تطهر منها وتنزه عنها ولم تبق فيه إرادة لها ولا حرص عليها وقد استخلصها للقاء رب العالمين ولقبول كراماته وفيض نوره الذي كان غير مستعد له ولا فيه قبول من عطائه ويأتيه حينئذ الذي وعد به المتقون والأبرار كما سبق الإيماء إليه مرارا في قوله عزوجل (فَلا تَعلَمُ نَفسٌ ما أُخفيَ لَهُم مِن قُرَةِ أَعيُن) : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: {هناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر} .