وأتمها وكانت فضائل النفس كثيرة. وجب أن يفضل الإنسان بأفضلها ويشرف بأشرفها. فسيرة الأفاضل السعداء سيرة لذيذة بنفسها لأن أفعالهم أبدا مختارة وممدوحة وكل إنسان يلتذ بما هو محبوب عنده. يلتذ بعدل العادل أو يلتذ بحكمة الحكيم والأفعال الفاضلة والغايات التي ينتهي إليها بالفضائل لذيذة محبوبة فالسعادة ألذ من كل شيء " وأرسطوطاليس يقول أن السعادة الإلهية وإن كانت كما ذكرناها من الشرف وسيرتها ألذ وأشرف من كل سيرة فإنها محتاجة إلى السعادات الأخر الخارجة لأن تظهر بها وإلا كانت كامنة غير ظاهرة. وإن كانت كذلك كان صاحبها كالفاضل النائم الذي لا يظهر فعله وحينئذ لا يكون بينه وبين غيره فرق ما وصفنا حالهما فيما تقدم فالمطلع إذا على حقيقة هذه السعادة المتمكن من إظهار فعله بها هو الذي يلتذ بها وهو الذي يسر سرورا حقيقيا غير مموه ولا مزخرف بالباطل. وهو الذي يخرج من حد المحبة إلى العشق والهيمان وحينئذ يأنف أن يصير سلطانه العالي يحب سلطان بطنه وفرجه فلا يخدم بأشرف جزء فيه أخس جزء فيه. وأعني بالسرور والمزخرف بالأباطيل اللذات التي تشاركنا فيها الحيوانات التي ليست بناطقة فإن تلك اللذات حسية تنصرم وشيكا وتملها الحواس سريعا. فإذا دامت عليها صارت كريهة وربما عادت مؤلمة وكما أن للحس لذة عرضية على حدة فكذلك للعقل لذة ذاتية على حدة لأن لذة العقل لذة ذاتية ولذة الحس عرضية.