للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن ورد المرسوم بمباشرة نيابة السلطنة فباشرها، وهو شاب له خير كثير، الدين والكرم والشجاعة، محب للعلماء والصلحاء، مؤثر للعدل في الرعية.

وفي يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول أفرج عن قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان وضرب إلى منزله، ثم تقدم إليه الأمير علم الدين الحلبي بعد أيام بالانتقال من المدرسة العادلية الكبيرة، وتسليمها إلى قاضي القضاة نجم الدين، فشق عليه ذلك وتكرر عليه القول بسرعة النقلة فبينا هو في ذلك قد أحضر جمالاً لنقل قماشه إلى جبل الصالحية، وإذا بكتاب الملك المنصور قد ورد على الأمير علم الدين الحلبي، ومن مضمونه: " إن عفونا قد شمل الخاص والعام، وما يليق أن تخصص بسخطنا أحداً على انفراده، وغير خاف مما يتعين من حق المجلس السامي القضائي شمس الدين أحمد بن خلكان أعزه الله تعالى وقديم صحبته لها وحدته عليها، وأنه من بقايا الدولة الصالحية سقى الله عهدها، وقد رسمنا بإعادته إلى ما كان عليه بقضاء القضاة بالشام، وبسطنا يديه في القبض والإبرام وما هذا معناه ". فركب القاضي شمس الدين من ساعته، وطلع إلى الأمراء وسلم عليهم، ونزل وقت الظهر باشر الأحكام وأحضر له تشريفه لنسبه، وصلى به الجمعة، وكتب مطالعة إلى الملك المنصور يدعو له ويتنصل بما نسب إليه ويعتذر؛ فورد عليه الجواب بالشكر وقبول العذر.

وفي أوائل ربيع الآخر خرج من دمشق عسكر من الجيش المصري، مقدمهم الأمير عز الدين الأفرم، ولحق بالذين كانوا توجهوا قبل ذلك في طلب سنقر الأشقر، فأدركوهم على حمص، ورحلوا بأسرهم طالبين المذكور ومن معه، فلما بلغه ذلك فارق الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وتوجه بمن معه في البرية إلى الحصون التي كانت بقيت بيد نوابه فتحصن هو ومن معه بها في أواخر الشهر المذكور وهي: صهيون، وكان بها أولاده وخزائنه ودخلها هو أيضاً، وبلاطنس وحصن برزية وحصن عكار وجبلة واللاذقية والشعر وبكاش وشيزر. وكان يوم المصاف قد انهزم الأمير عز الدين ازدمر إلى جبل الحرديين، وأقام عندهم هذه المدة كلها تحصن بهم وحموه، فلما بلغه وصول سنقر الأشقر إلى القلاع المذكورة وصل إليه بجماعة من الجبليين، وأقام شيزر يحفظها، ولما بلغ العسكر دخولهم القلاع واعتصامهم بها، نازلوا شيزر مضائقة لأبقية العسكر المنازلين لشيزر مصممين على حضرتها، وترددت الرسل بينهم وبين شمس الدين سنقر الأشقر في تسليمها، فبينا هم في ذلك، وردت الأخبار في أوائل جمادى الآخرة أن التتار خذلهم الله تعالى قد قصدوا بلاد الشام، فخرج من كان بدمشق من العسكر المصري والشامي، ومقدمهم الأمير ركن الدين أباجي، ولحق بقية العساكر التي على شيزر وكانوا قد تأخروا عنها، ونزلوا بظاهر حماة، ووصل من الديار المصرية عسكر مقدمه الأمير بدر الدين بكتاش النجمي فلحق بهم، واجتمع الجميع على حماة وأرسلوا كشافة إلى بلاد التتر في العشر الأوسط منه، ووصل

<<  <  ج: ص:  >  >>