بعضها تدريس مدرسة فخر الدين عثمان رحمه الله بالقاهرة، ثم ولى الشام مرة ثانية، وقدم دمشق في أواخر سنة ست وسبعين، فباشر الحكم بدمشق إلى سنة ثمانين ثم صرف ولزم منزله متوفراً على العلم والافادة والاشتغال إلى حين وفاته، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب، وأما رياسته، وعلو همته، وشرف نفسه، وخبرته بقوانين الأحكام والحشمة فلم يكن له في ذلك نظير، وكان جواداً مفضالاً ممدحاً، مدحه شعراء عصره بغرر القصائد، وكان يجيزهم الجوائز السنية، وكان عنده صبر واحتمال وستر على العورات وعفو عن الزلات عفا الله عنه وأدخله في سعة رحمته التي وسعت كل شيء. حكى لي أنه حضر إليه وهو بالمدرسة العادلية الكبيرة بدمشق بعد عشاء الآخرة من أخبره أن ثم جماعة من أعيان العدول في مكان يشربون الخمر وعندهم نساء أجنبيات، وشنع شناعة كثيرة، فاستوقف المخبر عنده، وسير من باب السر من ثيق به إلى ذلك المكان، وعرفهم الصورة وأن والى الليل يحضر لكشف ذلك، وأمرهم برفع ما عندهم من المنكرات، والتأهب لمن يحضرهم، ثم احضر والى الليل، وعرفه ما ذكر الناقل، وأمره أن يأخذه، ويتوجه إلى المكان لكشف حقيقة ذلك، فتوجه والى الليل، وطرق الباب ففتح، ودخل فوجد جماعة يتحدثون وعندهم فقير مزمزم ومأكول لا غير، فعاد والى الليل، ومن معه وأخبروه بما شاهدوا فعزر الناقل