إلى الشام أن الملك أحمد قتل، وتملك بعده أرغون بن أبغا بن هولاكو، فاستحضر الشيخ عبد الرحمن بقلعة دمشق ليلاً، واجتمع به، وسمع رسالته، ووعاها ثم أخبره بما اتصل به من قتل الملك أحمد مرسله، وعرفه أن رسالته انتقض حكمها بوفاة صاحبها، ثم أن الملك المنصور قضى إربه من سفرته تلك، وعاد إلى الديار المصرية، والشيخ عبد الرحمن ومن معه بقلعة دمشق في مكانهم، لكن اختصر شيء كثير مما كان يحضر إليهم، ورتب لهم قدر الكفاية التامة، فلما كان يوم الجمعة ثامن عشرين شهر رمضان المعظم من هذه السنة أعني سنة ثلاث وثمانين، توفى الشيخ عبد الرحمن المذكور رحمه الله تعالى بقلعة دمشق، فجهز وغسل بعد أن وقف عليه الأمير حسام الدين نائب السلطنة وغيره من الأعيان، ودفن بعد العصر بمقابر الصوفية، وقد نيف على الستين سنة من العمر، وبقى من معه على حالهم، وتطاول بهم الاعتقال، وأهمل جانبهم بالكلية، وضاق بهم الحال في المطعم والملبس، وكان معظمهم من أهل الموصل، فعمل النجم يحيى شعراً في معناهم، وبعث به إلى الأمير حسام الدين نائب السلطنة:
يا قاطع البيداء يرتقب الغنى ... ها قد بلغت مطالب النعماء
هذا المقام المولوى العادلي ... العالمي ... ملك الأمراء
قبل لديه الأرض تعظيماً وبلغه رسائل ساكني الحدباء
واجأر إليه وناده متضرعاً ... ومذكراً يا كاشف الغماء
الله قد أعطاك فضل عناية ... عقلاً وتبصرة وفرط ذكاء