ونعرض عن مناقشتهم في الحساب؛ ونمسك عنهم، " وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمر مر السحاب ". ومن لم يؤاخذ المشئ بفعله ويعرف مقدار حمله، استدام طعمه. واستقام طلقه، وحركته دواعي الشره للسرة، والحيل السلامة في كل مرة، فلم يزل يتربص لهم ريب المنون، وينزل ما كان منهم في جنب ما يكون، ويرتقب فيهم الوقت المنتظر، ويدب لهم الضراء، وتمشي لهم الحمر إلى أن آن مكان الفرصة، جمعنا لهم بين الشرقة والغصة، فأبعدنا إليهم المدني، واعتدنا مسعانا في طاعة الله عما إذا كانت مساعي الملوك عزماً، ووصلنا المسير بالسرى، وطرقناهم كما يطرق الطيف الكرى، وأوطأنا بهم حوافر الخيل، وجئناهم مجيء السيل، وظللنا عليهم ظلل الغم. وغشيهم منا ما غشى فرعون وجنوده من أليم. مع كون مكانهم قد جمع له منعة البر والبحر. وحل منهم بين السحر والنحر. تحامت قصده الملوك. وحمته الإعادة، فلم تبق الأماني إليه طريق مسلوك. ولم يظفر به ملك من الملوك في الإسلام، ولا طرقته خيلهم في
اليقظة، ولا خيالهم في المنام، يصد الرياح الهوج عند مخافة، ويرجع عند الطرق حسيراً لبعد المسافة بأسرع من أن فاجأناه، وحللنا بعرصته، وهاجمناه، وأحاطت به رجال الحرب، وشافهته بخطاب بالخطب، وعسكرنا بحمد الله تعالى مثل البحر ذا طما. والغيث إذا هما. والطود إذا سما. والليث إذا حمى. قد ملأ الفجاج. واستعذب الأجاج. وقاسمهم الرياج. فأعطاهم الأسنة، وأبقى له الزجاج. يتعرض أبطاله المنايا، ولو كانت عرضاً، ويقول كل منهم " وعجلت إليك رب لترضى ". فلم يزل القتال ينوبهم. وسهام المنون تصيبهم. وسحابها يصوبهم. والسيوف تغمد في الطلى. والرماح تركف في الكلى. والمجانيق تدلك سورتهم، وتسلك فورتهم بنجومها. وتصميهم برجومها. ونقذفهم من كل جانب دحوراً. ونعيد كل منهم مذموماً مدحوراً. وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالتسلم وببنانهم فما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. إلى أن فتحناها، ولله الحمد عنوة. وحللنا مكايدهم فيها عقدة عقدة، ونقضنا عروة عروة. وسطرنا هذه البشرى، وأعلام النصر قد خفقت بنودها. وذلت لها علوج الكفر وكنودها. والسيف من دمائهم يقطر. والصليب جريان ينظر. والأذان مكان الناقوس. والقراء موضع القسوس. والكنيسة قد عادت محراباً. والجنة قد فتحت للمجاهدين، فكانت أبواباً. وكنا نود أن الولد معنا في هذه المشاهد. وأن ينظرها بعين المشاهد. ونرجو أن يكون ممن يستكين المرقد. وإن لم يحضر هذه الغزوة فيتأهب للأخرى. فكان قذفاً لهمم تجعل ثمار النصر دانية القطوف، والسعيد من لا يستظل إلا بسيفه، فإن الجنة تحت ظلال السيوف ". ولا خيالهم في المنام، يصد الرياح الهوج عند مخافة، ويرجع عند الطرق حسيراً لبعد المسافة بأسرع من أن فاجأناه، وحللنا بعرصته، وهاجمناه، وأحاطت به رجال الحرب، وشافهته بخطاب بالخطب، وعسكرنا بحمد الله تعالى مثل البحر ذا طما. والغيث إذا هما. والطود إذا سما. والليث إذا حمى. قد ملأ الفجاج. واستعذب الأجاج. وقاسمهم الرياج. فأعطاهم الأسنة، وأبقى له الزجاج. يتعرض أبطاله المنايا، ولو كانت عرضاً، ويقول كل