سنة ثمانين وست مائة، وذلك يوم الأحد فمر بي الشيخ الطاهر المذكور، وحدثني ما لم أفهمه لاشتغال خاطري، فقال: كأنك ما فهمت كلامي! قلت: لا والله، قال: كأنك خاطرك مشغول. قلت: ما هو لقلبي ولكل لآخذ أولادي قال: اسمع ما أقول، واعتمد عليه، اليوم أيش هو؟ قلت: يوم الأحد، قال: يوم الجمعة تكون في هذه البلدة بشارة بكسر التتار، وشموع توقد بالنهار، وسماعات، وتكسر التتار كسرة ما كسروا مثلها، فكان كما قال، ثم بات عندي بعد ذلك وانشرح، فسألته عما أخبرني به، قال: هل تراه يقظة أو مناماً؟ فقال: لا في اليقظة ولا في المنام، بل في حالة بينهما تسمى الواقعة تكون للفقراء؛ فسألته عن حقيقتها فنفر وغضب. قال النجم: وكان قال لي مرة: إن بيت هلاكو لا بد أن تكون، وخوارزمية لا يوجد منهم عشرة في مكان. قال: وكان به سعال مزمن فبقي سنين يأخذ في كوز مكسور ماء شعير مبزر من بكرة، يودعه عندي إلى العشاء يأخذه. قال: وأخبرني أنه يثرد فيه كسرة ويفطر عليها. قال النجم: ودخلت مع الشيخ يوسف إلى بيت طاهر بالرباط المذكور، فرأينا بيتاً لم يكنس قط. وقد نسج العنكبوت على حصيره رثة سوداء، فقال الشيخ يوسف: ما أعفشك يا طاهر! ثم خرج طاهر للوضوء. فقال لي الشيخ يوسف: طاهر يموت طيب. وتزوج طاهر امرأة جميلة جداً. وطلقها على كثرة تعجزه عنها، ولم يكن قربها ومات، ولم يعرف أنثى ولا غيرها، ولم يزل على هذا القدم من الاجتهاد وخشونة العيش والتقلل من الدنيا إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى