جمال الدين وكانت قد تأيمت بوفاة زوجها - لبى عددها - فلم يمكن الشيخ جمال الدين إلا إجابة الوزير إلى ذلك فزوجها منه فأولدها شمس الدين المذكور فلما ترعرع اجتذبه جده إليه واشغله وتفقه واسمعه الكثير عليه وعلى غيره وكان أوحد زمانه في الوعظ حسن الإيراد ترق لرؤيته القلوب وتذرف لسماع كلامه العيون وتفرد بهذا الفن وحصل له فيه القبول التام وفاق فيه من عاصره وكثيراً ممن تقدمه حتى أنه كان يتكلم في المجلس الكلمات اليسيرة المعدودة أو ينشد البيت الواحد من الشعر فيحصل لأهل المجلس من الخشوع والاضطراب والبكاء ما لا مزيد عليه فيقتصر على ذلك القدر اليسير وينزل فكانت مجالسه نزهة القلوب والأبصار يحضرها الصلحاء والعلماء والملوك والأمراء والوزراء وغيرهم ولا يخلو المجلس من جماعة يتوبون ويرجعون إلى الله تعالى وفي كثير من المجالس يحضر من يسلم من أهل الذمة فانتفع بحضور مجالسه خلق كثير وكان الناس يبيتون ليلة المجلس في جامع دمشق ويتسابقون على مواضع يجلسون فيها لكثرة من يحضر مجالسه وكان يجري فيها من الطرف والوقائع المستحسنة والملح الغريبة ما لا يجري في مجالس غيره ممن عاصره وتقدم عصره أيضاً وكان له الحرمة الوافرة والوجاهة العظيمة عند الملوك وغيرهم من الأمراء والأكابر ولا ينقطعون عن التردد إليه وهو يعاملهم بالفراغ منهم ومما في أيديهم وينكر عليهم فيما يبدو منهم من الأمور التي يتعين فيها الإنكار وهم يتطفلون عليه