الحمام والخراف الرضع والأجدية فلا يحصى فكانت تنزل فضلات السماط ويبيعها الفراشون والطباخون وأرباب النوالات والجرايات عند باب قلعة دمشق بأبخس الأثمان فكانت تعم أهل دمشق وكان أكثر الناس بدمشق يغنيهم ما يشترونه منها عن الطبخ في بيوتهم، وقال علاء الدين علي بن نصر الله جاء السلطان الملك الناصر رحمه الله إلى داري بغتة ومعه جماعة كثيرة من أصحابه فمددت له في الوقت سماطاً فيه من الأطعمة الفاخرة ومن أنواع الدجاج المحشو بالسكر والمقلوبات شيء كثير فبقي متعجباً وقال في أي وقت تهيأ لك عمل هذا كله فقلت والله هذا كله من نعمتك ومن سماطك ما صنعت لك شيئاً منه؟ وإنما اشتريته من عند باب القلعة وحكيت له ما يباع من ذلك، ومثل هذا لم يتفق لملك قبله وكان يصل إلى الرسل والوافدين إليه والقاصدين بابه من إحسانه وعطاياه وبره ما لم يصل من أحد من الملوك إلى من يقصدهم.
وحكى لي بهاء الدين عبد الله بن محبوب رحمه الله وكان متولياً نظر الحوائج خاناة التي له بدمشق أن نفقة مطابخه وما يتعلق بها في كل يوم فوق عشرين ألف درهم، وكان الملك الناصر رحمه الله حليماً إلى الغاية عظيم العفو عن الزلات لا يرى المؤاخذة والانتقام بل سجيته الصفح والتجاوز تجاوز الله عنه وعفا عن سيآته، اعترضه شخص يوماً بورقة فأمر بأخذها منه وقرأها فوجد فيها الوقيعة فيه وذمه فقال لبعض غلمانه