الصوابي أخرج الملك المغيث وملكه الكرك والشوبك وأعمالهما وتولى تدبير أموره وقد ذكرنا من تفاصيل أحواله نبذة فيما مضى وكان ملكاً كريماً حليماً شجاعاً عادلاً محسناً إلى رعيته غير أنه لم يكن عنده حزم ولا حسن تدبير فإنه أنفق جميع ما كان عنده من المال على البحرية والشهرزورية في طمع تملك الديار المصرية ولم يحصل له ذلك وذهب ذلك المال العظيم في غير فائدة وكان جملاً عظيمة فإن الملك الصالح نجم الدين لما تسلم الكرك حمل إليها مائة ألف دينار عيناً غير الدراهم والأقمشة وغيرها وألجأت الضرورة للملك المغيث بذهاب ذلك إلى النزول من الكرك وخروجها من يده وذهاب روحه.
وكان الملك المغيث على مذهب أبيه في تقريب الأراذل والإصغاء إليهم وقد ذكرنا في السنة الماضية كيفية إمساكه وما نسب إليه والله أعلم بحقيقة ذلك وقيل إن جميع ما نسب إليه لم يكن له أصل بل مجرد شناعة ليقوم عذر الملك الظاهر عند الأمراء والناس فيما فعله فن سائر الأمراء في ذلك الوقت إلا القليل منهم كانوا غلمان بيته.
وحكى لي أن الملك الظاهر قال للأمير عز الدين أيدمر الحلى نائب السلطنة بالديار المصرية في ذلك الوقت دع من يقتل المغيث صاحب الكرك ممن تثق به غاية الوثوق وتوكد عليه في كتمان ذلك وطيه عن جميع الناس وأدفع إليه ألف دينار فأحضر الأمير عز الدين المذكور لأستاذ داره وكان رجلاً ديناً فيه خير وعنده تقوى وقال له أريد أن أندبك في أمر مهم تفعله وتكتمه عن جميع الناس ولا تطلع