جمادى الأولى ووصل شط الفرات وتقدم إلى العسكر بخوضها، فخاض الأمير سيف الدين قلاوون والأمير بدر الدين بيسري في أول الناس؛ ثم تبعهما بنفسه وتبعته العساكر فوقعوا على التتر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتي نفس ولم ينج منهم إلا القليل وتبعهم الأمير بدر الدين بيسري إلى قريب سروج؛ ثم عادوا الذين كانوا على البيرة شرف الدين بن الخطير، وأتابك رسلان دعمش، وأمين الدين ميكائيل النائب بقونية، وأمراء الروم تقديراً ثلاثة آلاف فارس ومقدم المغل درباي؛ ولما اتصل بهم خبر الوقعة رحلوا عن البيرة بعد أن أشرفوا على أخذها وتركوا ما لهم من الأسلحة والعدد والمجانيق والأمتعة والحشارات ونجوا بأنفسهم، فسار الملك الظاهر إلى البيرة ووصلها في الثاني والعشرين من الشهر وصعدها وخلع على مستحفظها وفرق في أهلها مائة ألف درهم وأنعم عليهم ببعض ما تركه التتر عند هربهم؛ ثم رحل قاصداً دمشق. وقد ذكر خوض الفرات المولى شهاب الدين محمود الكاتب - أيده الله - في قصيدة أولها:
سر حيث شئت لك المهيمن جار ... واحكم فطوع مرادك الأقدار
منها:
لم يبق للدين الذي أظهرته ... يا ركنه عند الأعادي ثأر
لما تراقصت الرؤوس وحركت ... من مطربات قسيك الأوتار
خضت الفرات بسابح أقصى منى ... هوج الصبا من نعله الآثار