للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان ظهور القومية في أوروبا بديلاً للرابط الديني، في أعقاب سيادة الاتجاه العلماني، وضعف الرابط الديني شعبياً، وبتره سياسياً بتراً كلياً.

لقد كان لا بد من بديل للرابط الديني الذي كان أقوى في أوروبا من الرابط القومي، على الرغم من كون هذا الرابط الديني في أوروبّا قد كان رابطاً واهياً، لأن عناصره عقيدة محرفة، ومفاهيم وضيعة مليئة بالأغاليط، وعصبية موروثة.

أما وقد تقطّع الرابط بسيادة الاتجاه العلماني، فإن البديل التلقائي هو ظهور الرابط القومي، لأن له في النفس الإنسانية دوافع فطرية ومصلحية.

وساعد على إظهار الرابط القومي وبعثه من مدفنه، الذين كانوا من قبل قد حاربوا الدين والأخلاق والنظم الاجتماعية، وأقنعوا أوروبا بالاتجاه للعلمانية، والأخذ بها.

وقامت في أوروبا صراعات ذات نزعات قومية، لعبت بها كتابات موجّهة ضمن مخطط مرسوم، وقد ظهرت هذه الكتابات بأقلام طائفة من الفلاسفة، وعلماء الاجتماع، وعلماء السياسة.

وكان من آثار هذه النزعات القومية أن جمعت أشتاتاً، وفرّقت مجتمعين، وحركت مطامع استعمارية ذات دوافع قومية، وغيرت حدود أوطان على الخريطة السياسية.

ثمّ أقبل القرن العشرون الميلادي، وقامت فيه حربان عالميتان كبريان دمرتا دماراً عظيماً، وأهلكتا الحرث والنسل، وكانت دوافعهما قومية، على مستوى الشعور الجماهيري العامّ، إذ تفجّرت القومية في ألمانيا وإيطاليا، وكان لها ظهور قوي في فرنسا وبريطانيا وغيرها.

<<  <   >  >>