للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وموقفنا الإسلام من التحليل النفسي يمكن تلخيصه بما يلي:

* إننا لا ننكر أصل فكرة التحليل النفسي، وتأسيس مدارس له في علم النفس، ومتابعة الدراسات النفسية العلميّة، القائمة على الملاحظة والتجربة والإحصاءات الإنسانية، فذلك مما يدعو إليه واجب البحث العلمي الذي يمجّده الإسلام، ويرشد إليه القرآن.

* وقد حثّ القرآن على دراسة النفس، وتوجيه النظر الباحث إلى أعماقها، بغية التعرّف على صفاتها وعناصرها الداخلية الهادية إلى معرفة الربّ الخالق الذي أتقن كلّ شيء صنعاً، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (الذاريات/٥١ مصحف/٦٧ نزول) :

{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} .

* وعرض القرآن طائفة كبيرة من صفات النفس، تشتمل على ثروة علمية عظيمة تهدي الباحثين من علماء النفس، ومنها بيان أنها أوتيت الموازين التي تميّز بها بين الخير والشر، فقال الله عزّ وجلّ في سورة (الشمس/٩١ مصحف/٢٦ نزول) :

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} .

* وكان علماء التربية الإسلامية الذين قاموا بمهمّة تأديب جماهير المسلمين بآداب الإسلام، وتسليكهم مسالك الهداية، مهديّين بهدي دلالات كتاب الله وسنة رسوله أولَ من غاص إلى أعماق النفس الإنسانية، وحلّل دوافعها، واستطاع القَبض على أعنّتها، والسيرَ بها في طريق الأخلاق والآداب الإسلامية، والتساميَ بها إلى السلوك الأمثل، وإنقاذها من الأمراض والعقد المضنية لها، ونقلها إلى عالمٍ نفسيٍّ ربّاني تحيط به السعادة من كل جانب.

فليس التحليل النفسيّ في أصوله جديداً على الفكر الإسلامي، بل هو أحد دعامات المربيين الأخلاقيين المسلمين. إلا أنه كان تحليلاً نظرياً وتطبيقيّاً معاً، ومدفوعاً بدافع الإيمان بالله واليوم الآخر، وباحثاً عن السعادة الأبدية، غير ناسٍ نصيب الإنسان من السعادة الدنيوية. بَيْد أنّ بعضهم ربّما وقع في بعض أخطاء، بسبب عدم تقيّده من جانبي منهج الحقّ بحدود مفاهيم القرآن الصحيحة، وسنّة الرسول القولية والعملية، وما كان عليه أصحاب رسول الله الذين تأدّبوا في مدرسته الربّانية العظيمة.

* لكنّ التحليل النفسيّ الذي بدأه "فرويد" وأسس له مدرسة بحث، ساعده فيها عدد من تلاميذه اليهود وغيرهم، قد أقامه على أساسين فاسدين:

الأساس الأول: الإلحاد بالله، وإنكار الغيبيات، واعتبار الإنسان ظاهرة ماديّة فقط، بما فيه من فكر، ونفس، وحياة.

وهذا هو الأمر الأول الذي جعلته القيادة اليهودية السريّة دعامة الإفساد الأولى للمجتمع البشري.

الأساس الثاني: الإباحة الجنسية، وحثّ الإنسان على ممارسة رغباته الجنسية بحريّة تامّة، لا تقف أمامها قيود دينية، أو أخلاقية، أو عادات وتقاليد اجتماعية، أو أية ضغوط من أي جهة كانت.

وضمن المحافظة على هذين الأساسين انطلق "فرويد" في دراساته، ومعالجاته الطبّية النفسية، وكتابة أفكاره وآرائه في علم النفس، ووضعها في قوالب "نظريات" علمية.

فلم يكن "فرويد" باحثاً متجرّداً نزيهاً من أوّل طريق البحث، بل كان باحثاً يريد تدعيم أساسَيْهِ الفاسدين عن طريق البحث الذي قد يجد فيه ما يستطيع تزيينه، وضمّ بعضه إلى بعض، ليتخذ منه بناءً فكريّاً مزخرفاً، يوهم به صحة أساسَيْهِ الفاسدين، الموضوعين في خطة التضليل ابتداءً.

ولكنّ البحث العلمي - مهما كانت دوافعه - قد يشتمل على بعض عناصر جزئية، لو أخذت وحدها لكانت مفيدة في مجال المعرفة الصحيحة، بيد أنّ البناء الفكري الذي يقرره البحث، إذا أخذ جملة واحدة دون تمييز

<<  <   >  >>